الأحد، 29 نوفمبر 2015

دربك صعب!

من يتابع المدونة منذ افتتاحها، سيلاحظ بسهولة أني من محبات "كاظم الساهر". تقولون لا يوجد متابعين أصلاً –وهذا شيء أجده مريحًا أحيانًا-! حسنًا، لنعيد صياغة العبارة، من يعرفني جيدًا يعرف أني من محبات "كاظم الساهر"، وحينما يُذكر اسم كاظم، فغالبًا ما يتذكر الناس القصائد الشهيرة التي غناها، ويتبادر إلى أذهانهم أغاني مثل: أنا وليلى، والحب المستحيل، ومدرسة الحب، ولا أنكر أني أحب هذه الأغاني، لكني أحب أيضًا أغانيه القديمة، التي يحمل بعضها روحًا  مرحة مثل: "يضرب الحب" و"منين أجيب إحساس" وغيرها، ويحمل البعض الآخر بؤسًا شديدًا، وخاصةً المواويل. وبشكل عام أحب الفولكلور العراقي وأغنياته ومواويله، لأنها وبالتعبير الدارج "بتوجع القلب". أمس كان مزاجي معطوبًا، ووجدت نفسي لا شعوريًا استمع لموال اسمه "يالحبيب يا يابه" أو كما يُسمى اختصارًا "محاني"، لأنه الشيء الأكثر تناغمًا مع شعوري ..تعلمون تلك الكآبة التي تريد أن تتلاقى مع كآبات أخرى ليقيموا حفلاً يقتاتوا به على ما تبقى من روحى.. وأتماهى أنا مع سطر "إليك عين وتسأليني يا دنيا..إيش هالمغنى الحزين، إيش هالكآبة!!" أيما تماهي !.. وبعد انتهائي من سماعه، وجدت موالاً باسم "أطفي وارد أشتعل"، والذي اكتشفت بعدها بقليل أن اسمه أيضًا "دربك صعب".. والواقع أن هذا الموال أيضًا مس وترًا حساسًا داخلي، لأنه بشكل ما، يعبر عن فلسفاتي في التعامل مع الأمور..



أطفى وأرد أشتعل... ما أشكى من دِنياي.
حِملى وأنا اتكفله... ما أريد عونه وياى.
قالوا لى دربك صعب... قلت القِدم مشَّاىَّ.
قالوا لى رمل وشمس... قلت أنا أصير فياىَّ.
رمل الصحارى برد... ورمل النهار كوَّاى.
مِحَمْله القوافل حِزِن... ومحتاجه لحدَّاى.
قالوا لى احسب لها ...همومك ، تراه اهواى.
والله يعلم بما ...سوى الزمان وياى.
شفت الهوايل شفت... بوياي يا بوياى.
أتقطَّع ولا أونِّ... وونِّى يفرح أعداى.

ولمن لم تسعفه قدراته على الاستنتاج، "فياي"  أي أنه سيصبح هو ظله وليس بحاجة لشيء آخر يستظل به، "حداي" هو الحادي الذي يقود القوافل، "ون" أي أنّ من أنين..
مَن يحب السخرية، أو مريض بها، الآن الوقت المناسب، فأي أهوال رأيت؟ ويمكنه الإضافة أيضًا أني أصلاً
Drama queen  ولا يحق لي القول بأن هناك أي ترابط بين هذا الموال وفلسفاتي في الحياة !
خاصةً، وأني
قد أبدو للبعض بكّاءة، شكّاءة، وهذه المدونة خير دليل على ذلك، ربما مَن يقول هذا محقًا، حينما أريد ممارسة دور ملكة الدراما، أحيانًا آتي لأكتب هنا، وأحيانًا أكتب في دفتر مذكراتي، الذي أكتب فيه بين الحين والآخر.
آه، أعترف أني لم أرَ شيئًا يرقى إلى مستوى الأهوال، لا داعي لحبك الدور إلى هذا الحد المبالغ فيه
XD  !

التماثل يكمن في السطور الأولى تحديدًا، أحب أطفي وأشتعل وحدي، أفضل التكفل بحِملي وحدي ولا أريد من يعاونني، وليس ذلك نتاج انعدام ثقة، أو لثقتي في قواي الخفية، ولكن لأني أرى هذا التصرف هو الأمثل، لا داعي للتعود على وجود من يعاونني، فتصبح عضلاتي ضعيفة حتى تصل للضمور، فإن ذهبوا أجد نفسي أحمل أثقالاً لم أعتد عليها، فأنهار تحت وطئها، التدريب الدائم لعضلات التحمل يجعلها أقوى، حتى لو أصابتك بوجع شديد في البداية، ما أرسل لي أفضل تحمله وحدي، لأخرج منه أقوى، لا لأخرج منه أكثر اعتمادًا على مَن حولي، هكذا يمكنني أن أرى حكمة ما فيما حدث، وأصبر نفسي بذلك. أذكر منذ عدة سنوات أني كنت أسمع أغنية "أوعدوني" لحمزة نمرة، وحينها طلبت مازحة من أختي الكبيرة أن "تعدني" .. لكنها رفضت أن تفعل، قالت لي أنها لا تسطيع وعدي بشيء لن تقدر على تحقيقه، وأن لها بيتًا وعائلةً وأطفالًا بحاجة لها، ولا تدري ماذا تحمل لنا الدنيا بعد، طلبت هذا من "أخت" كما ترى، وليس من صديقة، ورغم ذلك لم تقبل، وكانت محقة، الآن كل واحدة منا في قارة، ومهما سهّلت علينا التواصل تكنولوجيا العصر الحديث، لا زال ينقصه الكثير، أو بالأحرى، لا زال لا يعادل أن يكون الشخص ذاته بجوارك.

وبالنسبة للحمول والأهوال، لا أفضل أيضًا أن أحكي ما يؤلمني، خاصةً لو كان ألمًا داخليًا، وليست إصابة جسدية ما، فالأخيرة مفهومة، وليست بحاجة للكثير من الخيال ليتفهم الشخص الماثل أمامي ما أريد قوله. لكن الآلام الأخرى، الآلام الناتجة عن نخر داخلي استمر شهورًا و ربما سنوات لا أثق بقدرة الآخرين على فهمه، وحتى إن فهومه لا داعي أن أصيبهم بألم على ألمهم. لأني أصبحت أرى مَن حولي بالكاد متماسكين ليستطيعوا الوقوف على قدميهم.. أذكر أني كتبت كلامًا مشابهًا في إحدى المدونات القديمة، التي تلاشت مع إغلاق الموقع الذي كانت عليه، كتبت حينها أن أمر الفضفضة لشخص آخر قد يلقى ردين مختلفين، الأول هو التفاعل الشديد، وهذا غالبًا ما سيحدث إن كنت تحكي لصديق مقرب، أو اللا مبالاة، وهذا إن حكيت لشخص تظنه صديق مقرب! 

 صحيح أن لا أحد يدرك ألم غيره إدراكًا كاملاً وتامًا، إلا أن للبعض خيال شعوري يجعله قادرًا على تصور ما تمر به إلى حد لا يبعد كثيرًا عن الحقيقة. منذ شهورِ كثيرة، كنت مع صديقتي المقربة، نتحدث عن أحوالها، التي لم أعلم تفاصيلها منذ مدة، وبدأت بحكي شيء لم تحكه لي من قبل هاتفيًا، أو كتابةَ كما جرت العادة مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، حكت وحينما انتهت لم استطع أن أجمح رغبتي بالبكاء، فجأة ودون سابق إنذار انهمرت دموعي وبكيت لأن ما حكته كان صعب التحمل، ويفوق تصوري عن أنانية البشر، خاصةً الآباء، بكيت مثيرة دهشتها وضحكها، واعتذرت لأنها لم تقصد أن تسبب لي هذا الاكتئاب، لكن ما مرَّت به كان مُبكيًا من وجهة نظري، كنا حينها في إحدى المقاهي الشهيرة، ولم أستطع تملك زمام مشاعري، مما تسبب في تشويه "برستيجي" تمامًا..
لابد أن حوارًا مشابهًا دار بين جارسونات المقهى:
جارسون 1 : قابل يا عم، أهي جاية تعيط لنا ع الصبح! هو أحنا ناقصين، تروح تعيط في بيتهم!
جارسون 2 : تلاقي اللي معاها بتقلها إنها شافت صاحبها بيدور على حل شعره مع واحدة تانية!
جارسون 3 : أو أبوها مرضيش يخليها تروح حفلة "حماقي"!

أذكر إن إحدى صديقاتي أنزعجت مرة لأني لم أرد إخبارها بما يدور بخلدي أو يعطب مزاجي مؤخرًا، فقلت لها أنه لا داعي لذلك ما دمت لا تستطيعين مساعدتي على حل المشكلة، فردت أني أصرّ على تذكيرها بقلة حيلتها اتجاها، وليس هذا ما كنت أقصده أبدًا، فأحد أهم الأسباب التي تجعلني لا أحب التحدث عمّا يزعجني هو أن هذا لا يريحني، إن أتيت وكتبت هنا قد أرتاح أكثر، باختصار يمكن للتعبير العامي "بيقلب المواجع" أن يلخص الموضوع، ما لم يكن الذي سأحكي له يملك حلاً لمشكلتي لا أجد داعيًا لأن أحكيها له أصلاً! حتى لو كانت أمي، التي تشكو دائمًا من أن أبنائها صامتون كالبوم، ولا يخبرها أحدهم بما يزعجه أبدًا، رغم رؤيتها أنه من أبسط حقوقها كأم أن تعرف دواخل أبنائها! 

أحيانًا تريحني بعض العبارات المقتضبة، لأني أعرف أن مَن أمامي سيرد بعبارات مقتضبة أخرى يحاول أن يطمئني بها، وحينها أكون ممتنة جدًا له، فأنا لا أحتاج أكثر من ذلك! أحيان أخرى قد أبكي فجأة ودون سابق إنذار، وحدث هذا من قبل في مقهى شهير آخر، وجلست صديقتاي تضربان أخماسًا في أسداس ليعرفوا لِمَ بكيت، وربما أنا نفسي لم أكن أدرك تمامَا ما الذي جعلني أبكي في هذه اللحظة، وحينما فقدتا الأمل في أن أتحدث، أكتفيتا بالتربيت والمواساة.. وهذا أيضًا يكفيني وزيادة. ولأعترف هنا أن من آثار تبني فلسفة "التحمل وحدي" أني حتى حينما أريد التحدث عمّا يؤلمني لا أستطيع، خاصةً في الحديث المباشر، فالكتابة تسهل عليَّ الأمر كثيرًا، أحيانًا أكون مع مَن أعتبرهم الأقرب لي في هذه الدنيا ولا أستطيع قول ما أريد، أغص بالكلمات، وقد تدمع عينيّ لذلك وأداريه بابتسامة عريضة، لكن ينتهى اللقاء دون أن أقول شيئًا واحدًا مما يعتمل في قلبي. ربما هذا الأثر السلبي الوحيد من هذه الفلسفة، أما البقية فأعتبرها إجابيات.

أما عن دربي الصعب، فقدمي رغم إصابتها لا زالت مشايّ! وصحيح أني أقف متسائلة أحيانأ، وحائرة كثيرًا، وتائهة معظم الوقت، لكني لا زلت أرى أن إيجاد الطريق مهمتي أنا وحدي، وحتى إن ساعدني أحدهم ودلني على الطريق الصحيح، فمَن أدراني أن صحيحه هو صحيحي أنا أيضًا! ولأن الدرب صعب أحتاج أحيانًا أن أجلس وحدي، حتى استجمع الطاقة الكافية لأكوّن ظلي الذي سأستظل به ! وحينما تتحمل القوافل بالحزن فأفضل أن أكون الحادي أيضًا، ولا داعي لأن يتحمل شخص آخر كل السوداوية التي تطفح من داخلي أحيانًا، فأنا أكون مبتهجة ومرحة أحيانًا، وفجأة ابدأ في طور الاكتئاب الأسود الذي يخرج آثاره المتفحمة على كل ما حوله، وهذا ما يجعلني أشعر أحيانًا بأني مصابة بمتلازمة الهوس الاكتئابي، لكن وضعي لم يصل للحد المرضى الواضح بعد XD  !

هذه التدوينة كُتبت على ثلاث جلسات متباعدة في نفس اليوم، هذا شيء نادرًا ما يحدث، أو لنقل لم يحدث من قبل، حتى حينما أريد التحدث عن أني لا أحب التحدث يكون الأمر صعبًا، وتتخلله المقاطعات XD !
يبدو ما كتبته الآن غريبًا، ومفتقد للتماسك، لكن لا بأس، ليست رواية لأحرص على تماسكها وحبكتها، كتبت ما بخاطري فحسب، ولا داعي أن يكون اتساقه مثاليًا !
بمناسبة كاظم ! .. هناك أغنية له اسمها "حوار مع النفس"، تناسب جو التساؤلات الذي كنت أتحدث عنه، وعن أشباه الأصدقاء أيضًا، وعن دفائن القلب، سأختتم بها ثرثرتي اليوم!



<< لسبب ما أشعر أني كمقدمة برامج الراديو مع الفقرة الأخيرة هذه، ولا ينقصني سوى أن اقرأ الرسائل التي وصلت للبرنامج لأهدي الأغاني إلى لولو وطنط سوسن، وحبيبي التائه في غياهب بلوتو XD !أك



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق