السبت، 21 نوفمبر 2015

لست بطلك




"I wish I never went to war."
"أتمنى لو أني لم أذهب للحرب قط"
عُلّقت هذه اللوحة الخشبية في معرض للاعترافات في مدينة "نيويورك"، وبهذا يدمجون طقوس الاعتراف المسيحية، مع طقس بوذي يقوم فيه الشخص بكتابة أمنيته / صلاته على لوح خشبي ويعلقه في المعبد. منذ بضعة أسابيع قامت صديقة بإعطائي رابط للموقع الذي صوّر كل هذه الاعترافات وعرضها في موقع إليكتروني. حينما بدأت بالقراءة بعضها لمس وترًا داخليًا عندي، أو ذكرني بشيء ما، وهذه اللوحة ذكرتني بهذه الأغنية.. وخاصةً المقطع الأول منها..



Let me go
I don't wanna be your hero
I don't wanna be a big man
Just wanna fight with everyone else
Your masquerade
I don't wanna be a part of your parade
Everyone deserves a chance to
Walk with everyone else
دعني أذهب
لا أريد أن أكون بطلك
لا أريد أن أكون رجلاً كبيرًا
أريد فقط أن أقاتل مع الجميع
في حفلتك التنكرية
لا أريد أن أكون جزءًا من استعراضاتك العسكرية
كل شخص يستحق فرصة
ليسير مع أي شخص آخر

الاغنية لفيلم "Boyhood" الذي لم أشاهده بعد، لكني مقتنعة أن الأغاني مثل بقية الفنون، بإمكانك تفسيرها كما تراها أنتَ بعينيك، وتشعر بها بداخلك، بغض النظر عن غرض أو فكرة صانعيها. ذكرتني الأغنية بوضع الجنود الأمريكيين الذين يذهبون إلى الحرب، وترسلهم "أمريكا" إلى حرب ضروس تحت ادعاء أنهم ينقذون وطنهم، ويدافعون عن الحرية!!
فيذهب أولئك الجنود إلى هناك، ومَن يعود منهم سالمًا جسديًا، تخفي نفسيته عشرات الكدمات والسجحات. وغالبًا صاحب هذا الاعتراف هو أحدهم.

منذ عدة سنوات، أذكر مشاهدتي لإحدى حلقات الموسم الأخير من برنامج "أوبرا"، حيث استضافت جنودًا عادوا من الحرب، أحدهم مصاب بعاهة مستديمة، ويعاني أيما معاناة لأنه يحاول إيجاد دورًا ما لنفسه في هذه الحياة بعدما عاد بهذه الحالة. الجندية الأخرى، كانت أم ذهبت للحرب، لا أذكر ذلك بثقة تامة، لكن أظن أن سبب ذهابها هو رغبتها بتحسين حالة الأسرة المادية بالتعويضات التي تدفع للجنود المتطوعين. حينما تركت منزلها وذهبت للحرب، ومع مرور الشهور، أخذ زوجها الأولاد وغادر المنزل، مستوليًا على حق حضانتهم لأنها غائبة. كانت تشكو مما حدث، من ضياع أسرتها ومنزلها. في تلك الحلقة قال أحد الضيوف لأوبرا، ما معناه، أمريكا كلها شاركت في أمر حرب فيتنام، فمن شجعها ذهب إلى هناك، ومن لم يفعل عارضها بكل قوته هنا. لكن في حرب العراق، لم يعاني سوى من ذهب لهناك وعائلاتهم، أما بقية أمريكا فلا شأن لها فيما يحدث!

لا، لم أُجن بعد لأكتب دفاعًا عن أمريكا وتعاطفًا مع جنودها لأنهم عانوا في العراق، لكني لا زالت أذكر شعوري بعد مشاهدة تلك الحلقة، ذلك الشعور الذي أعاده الاعتراف المكتوب على اللوحة الخشبية، شعرت حينها بالحيرة!
حسنًا، لماذا إذًا ترسل أمريكا أبنائها لهناك؟ ألا يرون أنهم يعانون؟!
يعرف عقلي الإجابة المنطقية، أن ذلك لأنها تريد النفط، تريد التحكم، تريد فرض السيطرة وإثبات القوة، هكذا هم البشر، لا يستطيع من يحصل على القوة أن يجلس ويحتضنها هانئًا بدفئها.. عليه أن يرسلها لتحرق من حوله مثبتًا قدراته على تشكيل ما حوله بعد المحرقة!
لكني لا زلت محتارة! أنا حقًا لا يمكنني استيعاب أن ترسل بلدًا جيشها –ابنائها- ليهاجموا دولة أخرى، لا توجد حرب مباشرة قائمة بينهم، تفعل ذلك خوفًا من قوة محتملة قد يحترزها ذلك العدو ربما، مع ذلك لا زلت لا أرى منطقية في فعل "went" "ذهبَ" نفسه، لماذا يقوم أحدهم بالذهاب للجحيم بقدميه؟
ولأن فعل "went" أرقّني، تذكرت مأساوية فعل " "cameحينما قرأت الاعتراف! تذكرت من أتت لهم الحرب ككابوس مفاجيء، لتمشي الهويني بين بيوتهم، وتدمرها بيتًا بيتًا وهم يشاهدونها مذعورين بأم أعينهم، متسائلين مَن؟ ماذا؟ لماذا؟!
فما يدهشني أكثر من أن ترسل دولة ابنائها لتحارب دولة أخرى، هو أن تقوم الحرب بين أبناء الدولة الواحدة، أن تكون الحرب داخلية، وهذا لعمري اسوأ وأكثر مأساوية من الحرب مع المحتل. وحينما تأتي الحرب إليك لا يكون أمامك سوى محاولة الدفاع الغريزي، حتى لو كان هذا الدفاع بدائيًا، ومشتتًا، ومثيرًا للشفقة. فأنتَ لم تذهب للحرب مستعدًا، بل هي من أتت إليك دون موعد سابق.
عبثية أن تقوم حرب لمجرد أن البعض يقوم ببعض المظاهرات والهتاف شيء لم أكن أظن أني سأعيش لأراه، فالحروب بعيدة، يتحدثون عنها في النشرات الإخبارية والأفلام التسجيلية، ولن يكون لها أي أثر عليّ أو على من أحب، هذا كان منذ بضع سنوات، وأدرك الآن مدى سذاجته. بعد قيام الخريف العربي في سوريا، لا أدري على من يجب أن أُسقط اللوم، فلا يمكنك لوم أحدهم لأنه يعترض على تعامل الأسد مع سوريا على أنها عزبة والده، ويعتبر شعبها خرافه المطيعة التي يقودها كيفما شاء، لكن لا يمكنك أن تقتنع بعبارة لم نكن نتوقع كل هذا وتقبلها بضمير مرتاح، فما فعله الأسد الأب في حماه عام 1982 لا يخفى على أحد. ربما لم يظنوا أن الدموية والجنون والسياسة وحقراتها ستحول وطنهم إلى أرضٍ محروقة، ربما ظنوا أنه عصر العولمة، ولن يستطيعوا إخفاء ما فعلوه كما حدث عام 1982، ولن يصمت المجتمع الدولي على هذا. ولا يمكننا إنكار أنه لم يفعل، فالمجتمع الدولي يشجب، ويعترض، ويدين، ويندد، ويعقد اجتماعات، ولا يبدو مقصرًا أبدًا..أبًدا!!
في السنوات الأربعا الماضية بدت فكرة الوطن خيالية، أي وطن يفعل هذا بأبنائه؟ وتبدو فكرة أن يضحي أحدهم بحياته لأجل ذلك الوطن الخيالي شيء غير منطقي! لأنك تضحي عارفًا أن تلك التضحية ليست سوى رقمًا. فموتك أو اعتقالك لن يحسن ذلك الوطن الذي هببت لتدافع عنه، فأنتَ بالنسبة له رقم ضمن ضحاياه، لا أكثر.. وربما أقل! لكنك لست رقمًا لعائلتك، وأصدقائك، لست رقمًا إن تخليت عن حلم البطولة، وهربت لتعيش في مكان ما بعيدًا عن هذا الجحيم، وحتى إن عدُّوك رقمًا، فلن يضرك هذا ما دمت حيًّا تُرزق، ولم تبع روحك لحلم خيالي.. علّه يومًا يتحقق.

"أتمنى لو أن الحرب لم تأتِ لنا أبدًا."

"I wish war never came to us."





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق