الجمعة، 27 نوفمبر 2015

صبّارتي العزيزة !





منذ بضعة أيام، وأثناء ثرثرتنا عن شيء ما، أقترحت صديقتي أن نتعانق –سيبريًا أعني- فما كان مني إلا أن رددت بالصورة الموضحة أعلاه. لتثير الصورة سخرية صديقتان وضحكهما، فأخبرتهما أن الصبار هي الصورة التي وجدتها أكثر تعبيرًا عن العلاقات البشرية. ولأني أثق في عبقرية صديقتيَّ التي كنت أثرثر معهما ثرثرة عابرة، فواثقة أن ما قصدته لم يكن بحاجة للتوضيح، حتى تفهمان ما كنت أقصد. لكن ظلت الصورة تحتل جزءًا من عقلي الباطن، تريدها أن أتحدث أكثر عمّا قصدت حينها، ربما أنا نفسي أريد من خلال الكتابة بالتداعي أن أفهم أكثر لماذا اخترت هذه الصورة لا شعوريًا، ودون تردد تقريبًا. ربما يظن البعض هذ سخافةً شديدة، وأني أضيع وقتي لأتحدث عن صورة غريبة كهذه ؟؟
لا أنفي التهمة! لكني لا أريد التحدث عن الصورة بحد ذاتها، بل عن العلاقات البشرية التي ذكرتني بالصبار!
أذكر أني منذ بضعة سنوات، ربما أربع سنوات، كتبت قصة وأسميتها "لعنة بشرية"، في نهاية تلك القصة قامت البطلة بتحطيم دميتها التي كانت تحدثها وتفرغ لها لواعج قلبها، حتى الدمية التي لم تفعل لها شيئًا هو الاستماع لها، تحطمت في نوبة غضب. فالبشر بطبعهم كائنات مؤذية، حتى إن لم يقصدوا ذلك! ومن هنا أتى عنوان القصة، فالإذاء هذا هو اللعنة التي تلاحق الجميع سواء كانوا على دراية بذلك أم لم يكونوا! سواء كانوا يأذون من حولهم، أو يأذون أنفسهم، فالمحصلة تهمة مثبتة لا يمكن التبرء منها، البشر – أنا وأنت – نحن كائنات مؤذية .. شئنا أم أبينا!
لذا حينما رأيت الصورة شعرت أنها قريبة منا إلى حد كبير، شعرت بأن أشواك الصبار تمثل قدرة الإنسان على الإيذاء، ليس بالضرورة لأن ذاك الشخص ذو الأشواك شرير! لو عدنا للصبار مجددًا، فسنعلم أنه قاسِ ولا يملك أوراقًا أو يملك أورقًا ضامرة حتى لا تتبخر المياه! لأنه ينشأ في ظروف وبيئة صحراوية صعبة، فبالكاد يجد المياه التي تبقيه حيًا! وبدلاً من تلك الأوراق يملك الصبار أشواكًا، حتى يقلل من تعرضه للشمس، وحتى لا تقتات عليه حيوانات الصحراء!
إذًا.. الصبار ليس نباتًا شريرًا! هو يحاول أن يحافظ على وجوده فقط.. يحاول أن يبقى حتى لو جعله هذا مليئًا بالأشواك، حتى لو لم يكن له أزهارًا جميلة وأوراقًا وارفة! ليس خطأه أنه وُجِد في الصحراء.. إنّه يحاول التأقلم ليبقى فقط!
يبدو أني تماديت في التحدث عن الصبار والتعاطف معه.. لكنك غالبًا استنتجت ما أريد قوله. لا أحد يدري ما البيئة التي خُلق فيها الإنسان الذي أمامنا، لا أحد يدري ما الذي تعرض له وجعله يحمي نفسه بكل تلك الأشواك بعدها، لا أحد يمكنه معرفة ندرة المياه التي تعرض لها وجعلته قاسيًا جامدًا إلى هذا الحد، ربما لو علمنا مدى ندرتها لقدرنا عدم قدرته على تبديدها بسهولة، وقد نتفهم أنّه لا يستطيع فعل ذلك مع أي شخص.. وإلا فبقائه نفسه سيصبح مهددًا !
إذًا ما شأن الصبار بالعناق؟ ما شأنه بثرثرة الصديقات التي أقحمت عليها صورة عجيبة كهذه؟
ما سأكتبه الآن هو أول ما خطر ببالي حينما اخترتها، نحن مليئات بالأشواك!
رغم هذا لم نخشَ لحظة العناق هذه، خاطرنا بتحمل الوجع الذي قد يخلفه لنا الاحتكاك بتلك الأشواك، وبعد ذلك ما الذي سأستفيده؟ ما المميز في أشواك الآخريين ألا تكفيني أشواكِ أنا ! الإجابة بسيطة، أتعرف ثمرة الصبار؟ ..التي تُسمى أحيانًا "التين الشوكي"؟ هل رأيتها من قبل، وجربت نزع قشرتها وأكلها من قبل؟ أولاً عليك بنقعها في بعض الماء حتى تسقط الأشواك، ثم يمكنك إحداث قطع واحد فيها لتنزع القشر القاسية كلها، وحينها يمكنك الاستمتاع بأكل الثمرة، التي تتميز بحلاوة خاصة بها، ولا أجد ما يُشابهها في أي فاكهة أخرى! لنعد للتشبيهات مرة أخرى، بعد تحملي للأشواك البشرية تلك، أنا انتظر حتى يمكنني لمس الجزء اللين الذي يميز حلاوة مَن أمامي، وكل إنسان له حلاوة تميزه هو وحده، أحتاج للصبر الذي تصبره ربة المنزل أثناء نقع ثمار التين الشوكي في الماء، والحذر أثناء انتزاع القشرة القاسية!
آه.. اثناء تناولك للتين الشوكي ستجد بعض البذور التي لا يمكن مضغها بسهولة، ابتلعها يا عزيزي .. ابتلعها، لأنك لن تجد الثمرة كلها حلوة وسائغة كما تريدها أنت، حتى الكرز بكل جاذبيته وجماله ستجد بداخله بذورًا!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق