الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

-في ألم؟ ...-في أمل !

منذ بضعة أيام، كنت عند طبيب العظام، لأن قدمي لا تجد ثلاثة شهور فترة كافية لتتعافى من إصابتها، ولا زالت تأن معترضة، اعتليتُ سرير الفحص، وبدأ هو بتحريك قدمي وإبهامي مختبرًا استجابتي للألم:
- في ألم هنا؟
- لما أمشي ..بيكون في ألم هنا!
- هنا..في ألم ؟
- آه.. في أمل!

(ليتصاعد صوتي الداخلي: أمل إيه بس، ركزي شوية!!)
كتمت ضحكي بصعوبة وكررت مصححة:  في ألــم !
 ضاغطة حروف الكلمة الأخيرة حتى لا تعود أمل بظهورها المفاجئ.
- ألم شديد؟
- لا .. محتمل!
- محتمل؟!
لا أذكر مرة سألني فيها عن شدة الألم، ولم أقل له أن الألمَ مُحتمل وليس شديدًا، حتى في بداية الإصابة، لم تختلف الإجابة. والواقع أن هذا السؤال يجعلني أفكر كيف ستختلف الإجابة من شخص لآخر!
فلو افترضنا أن للألم مقياسًا من 1 إلى 10 ، وسألك الطبيب عن مدى ألمك فعلى أي أساسٍ ستُجيب؟
ستجيب على أساس أقصى ألم مررت به، والذي مقارنةً به أصبح ألمك الآن يقدر برقم 4 أو 5،  ربما كان ألمي الذي وصل لأقصاه (10)، يكون لدى شخص آخر ألم لا يصل إلى حد الإزعاج.. (3) مثلاً! وبالمثل قد يُقدِّر شخص آخر ألمه بأنه شديد (8)، وأنا أعتبره لا زال في مرحلة "ألم محتمل".
أظن هذا يحدث بشكل لا واعي إلى حد كبير، لكني أدرك أني أقارن برقم (10) مررت به منذ ما يقارب الثلاث سنوات، حينما خضعت لعملية جراحية، لا يعرف تفاصيلها الكثيرون، لم تكن العملية خطيرة، ولا تهدد الحياة، لكنها كانت مؤلمة بالتأكيد، أذكر أن أحد أقاربي سأل والدتي مازحًا مَن سببت وأنا أفيق من التخدير، فلم أفهم المزحة جيدًا، أخبروني أنه في مرحلة الاستفاقة من البنج كثيرًا ما يستفيق المرضى وهم يسبون ويلعنون، يعتبر الناس أن لواعج قلب المرء تخرج حينها، ويظهر على حقيقته أخيرًا، قلت بيني وبين نفسي ربما لشدة الألم يحدث ذلك، فالتجارب تقول أن تلفظك بالسُباب قد يقلل من حدة ألمك! أو لأن الظهور بمظهر الشرير الذي يطلق السباب، أفضل لدى البعض من مظهر البائس الذي يتلوى ألمًا، فيصرخ طالبًا ما يريد بوقاحة مداريًا ضعفه. بالطبع، هذا لا ينفي وجود أوغاد يظهرون على حقيقتهم أحيانًا
:D !
 آه.. تظنون أني لم أجب السؤال عمدًا! حسنًا..حينها أجابت أمي: تقبر قلبي، ما سبت حدا!
ولتكن إجابتي أكثر تحديدًا،أذكر حينها أن أول كلمات نطقتها هي أني أريد مسكن! وأظنني بعدها بقليل طلبت بطانية أخرى لأني كنت أرتجف ألمًا وبردًا.  
لنعد إلى قبل أن يكشف الطبيب على قدمي، أخبرته والدتي مكملة كلامي أن بعد تحسن دام أسبوع أو اثنين عاد الألم، وأنها لا تتحمل أي مجهود، وأنها تبكي لو ارتطمت قدمها بأي، حدثتني نفسي أن والدتك أهدرت كرامتك بالكامل وانتهى الأمر، وعدلت أنا على ما تقوله بأني لم أكن أبكي لشدة الألم، بل لأن الوقت طال ولا زلت لم أتعافى!
كانت أمي تشير إلى ما حدث قبلها بعدة ساعة، حينما كان أخي يقوم بتصليح شيئا ما، تاركًا مفك البراغي أرضًا، وارتطمت أنا به أثناء سيري، ليصيب مكان الألم تحديدًا، اعتذر لي أخي بهدوء، وقال أنه ليس ثقيلاً، وبالتأكيد لم يؤلمني كثيرًا!
لكني بكيت حينها، مغادرةً الغرفة، طبعًا التفسير المنطقي هو أني بكيت من شدة الوجع!
وهو الشيء الذي لا شأن له بالأمر! بشكل عام لا أحب أن ترتبط لحظة بكائي بما يدور من أحداث حولها، لأنها غالبًا لا تكون ذات علاقة وثيقة بها، ربما يكون مجرد دبوس يفجر بالونة دموعي، لا أكثر، كما حدث ذلك اليوم.
بعد إصابة قدمي، لم أعد قادرة على ممارسة رياضتي المفضلة، المشي، أنا التي كان يمكنها الاستمرار بالمشي ثلاث ساعات، وأبقى مستمتعة بالأمر، أتألم الآن بعد عشر دقائق، ولم أعد قادرة على ممارسة أي رياضة بها بعض المجهود. الوقوف لمدة طويلة لأطهو الأشياء التي تتطلب دقة وتركيزًا كبيرًا، مما يريح ذهني من التفكير، لم يعد متاحًا لأنه يرهقني، لم أعد قادرة على الصلاة أو بالأحرى السجود دون استخدام كرسي لأن قدمي ﻻ تحتمل وزني في تلك الوضعية، يوميًا تقريبًا ترتطم قدمي المصابة بشيء ما، أو يقع فوقها مقص، أو ترتطم بمفك براغي، أو يدوس عليها شخص ما. وكأنها مستهدفة مِن قبل كائنات جانب النجوم الخفيّة، الذين يتسلون عليّ بسادية.
حينها لم أبكي لشدة الألم، بكيت لأني مللت مما يحدث وكاد ينفذ صبري. بكيت لأني أعرف أن مُعاناتي لا تقاس بمعاناة غيري، لكني لا زلت لا أحتملها، وضقت بها. لم أبك طويلاً كما قد يبدو من كثرة الحديث عن الموقف، ربما لم يتجاوز بكائي دقيقة واحدة، وفرغت بالونة دموعي التي انفجرت فجأة.

لكن ما حدث جعلني أفكر بأن الألم لا ينبغي أن يكون شديدًا ليُشعرك بالضيق، قد يكون ألم محتمل، لكنه يُعيقك عن الكثير، يُشعرك بالخوف من أن يتحول رقم 4 إلى 5، ورقم 5 إلى 6، حتى تصل لنهاية المقياس. الألم يُشعرك بأنّك كائن مُهدد وهش طوال الوقت، يُذكرك بلا رحمة بضعفك وقلة حيلتك!
وبالتأكيد لا أتحدث ها هنا عن إصابة قدمي وحسب، لكني أتحدث عن أي ألم، حتى النفسي منه، مثل شعورك بوخز داخلي دائم لمواجهتك شيء تكرهه، أو لاحتمالك واقع فُرِض عليك تحمله، لخطأ ارتكتبه وتشعر بتأنيب ضمير بسببه، لخوف من مستقبلِ يبدو غامضًا وقاتمًا. كل هذا قد يكون على مقياس ألم من 1 إلى 10 لا يتجاوز رقم 4 أو 5 !
لكنه يُفسد عليك حياتك، قد يراك البعض شخصًا بكّاءً ويرون ألمك على المقياس يساوي صفر! لكن لا أحد يشعر بألم أحد، لكلِ منا مقياسه، لكل منا حساسية ألم تجاه أشياء تختلف من شخص لآخر.
ربما هذا أهم درس تعلمته في الفترة الأخيرة، ألا أتهاون مع تلك الآلام الداخلية الصغيرة، وأحاول أن أوجه لها بعض العناية، قبل أن يزداد وضعها سوءًا. لا داعي لأن أنتظر حتى تصل لأقصى المقياس وتصرخ كمغنية سوبرانو، حتى أعير لها بعض الاهتمام!
منذ ثلاث سنوات تقريبًا، حينما حان وقت عودتي للمنزل، ربما كان مقياس الألم يقدر بـ 8 ، أتى أبي ليعدني أنا وأمي في تلك الليلة، وأثناء عودتنا، كان يقود السيارة وكأنه يلعب Crazy Taxi ! ولك أن تتخيل حالي وأنا أجلس في المقعد الخلفي للسيارة، التي يقودها أبي بلا اكتراث كعادته، ويزيد الوضع سوءًا شوارع مصر، التي تعتبر الحفر والمطبات من علاماتها التجارية! كلما تأوهت مخبرة أبي أن يقود بتمهل، كان يخبرني ألا أخاف، وأن شيئًا لن يحدث لي، حتى لو شعرت ببعض بالألم الآن. والواقع أنه كان يضحك كلما رجوته بالتمهل، يبدو أنه كان يحظي بيوم ممتع، مما جعلني أضحك على قيادته وتعليقاته أحيانًا. كان مقياس الألم 8، تأوهت كثيرًا.. لكني كنت قادرة على الضحك!
حتى لو سارت بنا الحياة كما تسير السيارة في لعبة
Crazy Taxi، وحتى لو كان الطريق فيها أكثر شناعةً من شوارع مصر، وحتى لو كان مقياس الألم عاليًا، ربما يحدث ما يمكنك من الضحك.. ربما كانت الإجاباتان صحيحتان حينما أجبت الطبيب: في أمل...وفي ألـم !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق