الاثنين، 14 ديسمبر 2015

هل تستطيعون أن تكونوا مثله؟!


منذ بضعة أيام كادت تقارب الأسبوع، خطر ببالي زميل قديم، ولا أدري في الواقع ما الذي ذكرني به أو بهذه الأيام عامةً، لأن الذكرى تعود لأكثر من عشر سنوات، إلى أيام مدرستي الابتدائية، والتي كانت عجيبة بعض الشيء، لكن والدي فضّل إلحاقي بها على انتظار مدرسة أخرى تقبلني العام القادم، فمعظم المدارس لم تقبل التحاقي بها لأني من مواليد أغسطس وسني أصغر من المسموح به. 
كانت المدرسة مختلطة، بها فتيان وفتيات، ولسبب ما كان عدد الفتيات يقل كل عام عن سابقه، حتى غدت الفتيات في الصف عددهن أقل من عشر، وتكفي مقاعدهن أن تكون في صفٍ واحد، بينما الصفوف الثلاث الباقية في الصف يحتلها الفتيان. 
لكم أن تتخيلوا أن تلك الفتيات لا يكن دائمًا الصديقات الأفضل، وليس هذا ذمًا فيهن لا سمح الله، لكني أذكر مرور سنوات دون شعوري بالراحة لوجودي مع تلك الصديقات لاختلاف في طبائعنا، لكن على المرء أن يجد من يجالسه حينما يكون صغيرًا وإلا اعتبروه متوحدًا وغريبًا .. أو غيرها من الافتراءات. 
كان اسم ذلك الزميل هو تامر، كان صبيًا لطيفًا مجتهدًا، على شيء من الوسامة ببشرته البيضاء وشعره الأملس، حينما كنا صغارًا كنا أنا وهو وبضعة زملاء آخرين نعتبر من أوائل الفصل المجتهدين ....إلخ! قبل أن ابدأ أنا باتباع طريقة "أدرسي ما تحبين فقط، وليحدث ما يحدث!" لم يدمر هذا مستواي الدراسي، لكنه ربما أفقدني تميزي في المواد التي لا أفضلها.
 لكن حتى مغادرتي للمدرسة بعد الصف الأول الإعدادي كان تامر محتفظًا بتميزه وتفوقه، محافظًا على طبيعته المرحة ولطفه مع الجميع، حتى أنه ينتابني الفضول بما حل به الآن كلما خطر ببالي. في إحدى سنواتي الأخيرة - ربما الصف الخامس أو الأول الإعدادي- صادف أن مقعدي كان بجوار مقعد تامر مما جعل فرصة الثرثرة من حين لآخر أكثر حدوثًا. ولأخبركم الآن بإحدى الأشياء التي كان يفعلها دومًا، وهي أنه كان يحضر في حقيبته كل كتب المدرسة والدفاتر وفي بعض الأحيان الكتب الخارجية أيضًا، كانت حقيبته المسكينة تنوء بحملها كل يوم، ويعاني ليغلقها قبل مغادرته، وغالبًا ما يسرع مغادرًا مع أستاذة حافلة المدرسة قبل أن يغلقها. في إحدى المرات سألته لماذا تحضر كل الكتب والدفاتر؟ لماذا لا تحضر فقط ما سنحتاجه اليوم كما نفعل جميعًا؟ فأجابني ماذا لو احتجنا لشيء ما فجأة ؟ ماذا لو غاب إحدى المدرسين فأتى مدرس آخر وأعطانا درسًا جديدًا أو لم يأتِ أحدًا فحينها قد يحتاج الكتب للدراسة! وهذا أهون من تحضير ما نحتاجه يوميًا ! ... لا أذكر أني أجبته يومها، لكني شبه واثقة من أن لسان حالي كان يقول لا يوجد شيء يستحق أن تفعل بظهرك هذا يا فتى ! 
لأن ذلك الجزء بداخلي لم يتغير. هناك أشياء لا تستحق عنائي لأجلها ! هناك أشياء حتى لو بدت جوهرية للبعض لا أرى أنها تستحق أن أبيع راحتي وسعادتي لأحصل عليها! هناك أشياء لا أقبل أن أقتطع أجزاءً من ذاتي لأصل لها! 

ما تذكرته هو موقف بعينه، لكني كنت أعطيكم المقدمة المناسبة لتعرفوا عن من أتحدث. كنا في حصة تربية رياضية، أو كما نسميها في العامية (ألعاب). كان أستاذ الألعاب يومها يصر على أن نركض جميعًا، وأذكر أننا ركضنا جميعًا، مرتدين زي ألعاب قطني باللونين الأصفر والزيتي. ويومها أيضًا لم يترك أستاذ الألعاب تامر وشأنه وأصر عليه بأن يركض أكثر، هنا أخبركم بشيء أغفلت ذكره وهو أن تامر كان على شيء من البدانة، ليس بشكل مبالغ فيه، لكن لا يمكنك اتهامه بالرشاقة، وذلك اليوم لم يتحمل كل ذلك المجهود الذي طلبه منه الأستاذ، أو لنقل نفذت أنفاسه أسرع من بقيتنا، وحينما حدث ذلك بدأ بقية الصف بالضحك على وضعه وبقول بعض التعليقات الساخرة، حتى أن ابتسامته ومثابرته تلاشتا، ودمعت عيناه فجأة ثم بدأ بالبكاء. 
لا أذكر أني كنت ممن ضحك أو علق، وأتمنى ألا تكون ذاكرتي الانتقائية تقوم بعملها الآن، لأن ما حدث مزعج وطفولي جدًا، وحتى لو كنا أطفالاً لم يكن يليق أن يحدث شيئًا كهذا. 
والواقع أني لا حينها ولا اليوم أجد ما فعله أستاذ الألعاب خطأ، كان يحاول أن يحسن لياقته، ويعلمه أنه لو ضغط على نفسه قليلاً سيتمكن من المواصلة أكثر. لكن ما أعجبني حينها، وما كتبت هذه التدوينة لأجله هو ما قاله الأستاذ للزملاء الضاحكين. 
"بتضحكوا على إيه يا خايب منك ليها؟
تعرفوا تبقوا زيه؟ تعرفوا تجيبوا درجاته؟ "
هذا ما أذكره، لكن أظن ما قاله كان أكثر، وكان الأمر يستحق. 
حقًا بأي حق يضحك أحدٌ على شخص آخر لمجرد أنه لا يطابق المواصفات القياسية لمجتمعنا أو له هو شخصيًا ؟ 
سواء كنا نتحدث هنا عن زيادة الوزن أو غيرها! عن الافتقار للياقة البدنية أو عن الافتقار لشيء آخر! 

يسير بعض الناس يضحكون على الآخرين، دون أي مراعاة لما قد يسببه هذا لهم، ودون أي بعد نظر لما يملكونه حقًا.
كثيرًا ما أود أن أصرخ في الضاحكين وأسألهم أتستطيعون أن تكونوا مثله ؟ أجل..أتستطيعون أن تكونوا مثل مَن تهزئون به ؟؟!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق