الأحد، 29 نوفمبر 2015

دربك صعب!

من يتابع المدونة منذ افتتاحها، سيلاحظ بسهولة أني من محبات "كاظم الساهر". تقولون لا يوجد متابعين أصلاً –وهذا شيء أجده مريحًا أحيانًا-! حسنًا، لنعيد صياغة العبارة، من يعرفني جيدًا يعرف أني من محبات "كاظم الساهر"، وحينما يُذكر اسم كاظم، فغالبًا ما يتذكر الناس القصائد الشهيرة التي غناها، ويتبادر إلى أذهانهم أغاني مثل: أنا وليلى، والحب المستحيل، ومدرسة الحب، ولا أنكر أني أحب هذه الأغاني، لكني أحب أيضًا أغانيه القديمة، التي يحمل بعضها روحًا  مرحة مثل: "يضرب الحب" و"منين أجيب إحساس" وغيرها، ويحمل البعض الآخر بؤسًا شديدًا، وخاصةً المواويل. وبشكل عام أحب الفولكلور العراقي وأغنياته ومواويله، لأنها وبالتعبير الدارج "بتوجع القلب". أمس كان مزاجي معطوبًا، ووجدت نفسي لا شعوريًا استمع لموال اسمه "يالحبيب يا يابه" أو كما يُسمى اختصارًا "محاني"، لأنه الشيء الأكثر تناغمًا مع شعوري ..تعلمون تلك الكآبة التي تريد أن تتلاقى مع كآبات أخرى ليقيموا حفلاً يقتاتوا به على ما تبقى من روحى.. وأتماهى أنا مع سطر "إليك عين وتسأليني يا دنيا..إيش هالمغنى الحزين، إيش هالكآبة!!" أيما تماهي !.. وبعد انتهائي من سماعه، وجدت موالاً باسم "أطفي وارد أشتعل"، والذي اكتشفت بعدها بقليل أن اسمه أيضًا "دربك صعب".. والواقع أن هذا الموال أيضًا مس وترًا حساسًا داخلي، لأنه بشكل ما، يعبر عن فلسفاتي في التعامل مع الأمور..



أطفى وأرد أشتعل... ما أشكى من دِنياي.
حِملى وأنا اتكفله... ما أريد عونه وياى.
قالوا لى دربك صعب... قلت القِدم مشَّاىَّ.
قالوا لى رمل وشمس... قلت أنا أصير فياىَّ.
رمل الصحارى برد... ورمل النهار كوَّاى.
مِحَمْله القوافل حِزِن... ومحتاجه لحدَّاى.
قالوا لى احسب لها ...همومك ، تراه اهواى.
والله يعلم بما ...سوى الزمان وياى.
شفت الهوايل شفت... بوياي يا بوياى.
أتقطَّع ولا أونِّ... وونِّى يفرح أعداى.

ولمن لم تسعفه قدراته على الاستنتاج، "فياي"  أي أنه سيصبح هو ظله وليس بحاجة لشيء آخر يستظل به، "حداي" هو الحادي الذي يقود القوافل، "ون" أي أنّ من أنين..
مَن يحب السخرية، أو مريض بها، الآن الوقت المناسب، فأي أهوال رأيت؟ ويمكنه الإضافة أيضًا أني أصلاً
Drama queen  ولا يحق لي القول بأن هناك أي ترابط بين هذا الموال وفلسفاتي في الحياة !
خاصةً، وأني
قد أبدو للبعض بكّاءة، شكّاءة، وهذه المدونة خير دليل على ذلك، ربما مَن يقول هذا محقًا، حينما أريد ممارسة دور ملكة الدراما، أحيانًا آتي لأكتب هنا، وأحيانًا أكتب في دفتر مذكراتي، الذي أكتب فيه بين الحين والآخر.
آه، أعترف أني لم أرَ شيئًا يرقى إلى مستوى الأهوال، لا داعي لحبك الدور إلى هذا الحد المبالغ فيه
XD  !

التماثل يكمن في السطور الأولى تحديدًا، أحب أطفي وأشتعل وحدي، أفضل التكفل بحِملي وحدي ولا أريد من يعاونني، وليس ذلك نتاج انعدام ثقة، أو لثقتي في قواي الخفية، ولكن لأني أرى هذا التصرف هو الأمثل، لا داعي للتعود على وجود من يعاونني، فتصبح عضلاتي ضعيفة حتى تصل للضمور، فإن ذهبوا أجد نفسي أحمل أثقالاً لم أعتد عليها، فأنهار تحت وطئها، التدريب الدائم لعضلات التحمل يجعلها أقوى، حتى لو أصابتك بوجع شديد في البداية، ما أرسل لي أفضل تحمله وحدي، لأخرج منه أقوى، لا لأخرج منه أكثر اعتمادًا على مَن حولي، هكذا يمكنني أن أرى حكمة ما فيما حدث، وأصبر نفسي بذلك. أذكر منذ عدة سنوات أني كنت أسمع أغنية "أوعدوني" لحمزة نمرة، وحينها طلبت مازحة من أختي الكبيرة أن "تعدني" .. لكنها رفضت أن تفعل، قالت لي أنها لا تسطيع وعدي بشيء لن تقدر على تحقيقه، وأن لها بيتًا وعائلةً وأطفالًا بحاجة لها، ولا تدري ماذا تحمل لنا الدنيا بعد، طلبت هذا من "أخت" كما ترى، وليس من صديقة، ورغم ذلك لم تقبل، وكانت محقة، الآن كل واحدة منا في قارة، ومهما سهّلت علينا التواصل تكنولوجيا العصر الحديث، لا زال ينقصه الكثير، أو بالأحرى، لا زال لا يعادل أن يكون الشخص ذاته بجوارك.

وبالنسبة للحمول والأهوال، لا أفضل أيضًا أن أحكي ما يؤلمني، خاصةً لو كان ألمًا داخليًا، وليست إصابة جسدية ما، فالأخيرة مفهومة، وليست بحاجة للكثير من الخيال ليتفهم الشخص الماثل أمامي ما أريد قوله. لكن الآلام الأخرى، الآلام الناتجة عن نخر داخلي استمر شهورًا و ربما سنوات لا أثق بقدرة الآخرين على فهمه، وحتى إن فهومه لا داعي أن أصيبهم بألم على ألمهم. لأني أصبحت أرى مَن حولي بالكاد متماسكين ليستطيعوا الوقوف على قدميهم.. أذكر أني كتبت كلامًا مشابهًا في إحدى المدونات القديمة، التي تلاشت مع إغلاق الموقع الذي كانت عليه، كتبت حينها أن أمر الفضفضة لشخص آخر قد يلقى ردين مختلفين، الأول هو التفاعل الشديد، وهذا غالبًا ما سيحدث إن كنت تحكي لصديق مقرب، أو اللا مبالاة، وهذا إن حكيت لشخص تظنه صديق مقرب! 

 صحيح أن لا أحد يدرك ألم غيره إدراكًا كاملاً وتامًا، إلا أن للبعض خيال شعوري يجعله قادرًا على تصور ما تمر به إلى حد لا يبعد كثيرًا عن الحقيقة. منذ شهورِ كثيرة، كنت مع صديقتي المقربة، نتحدث عن أحوالها، التي لم أعلم تفاصيلها منذ مدة، وبدأت بحكي شيء لم تحكه لي من قبل هاتفيًا، أو كتابةَ كما جرت العادة مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، حكت وحينما انتهت لم استطع أن أجمح رغبتي بالبكاء، فجأة ودون سابق إنذار انهمرت دموعي وبكيت لأن ما حكته كان صعب التحمل، ويفوق تصوري عن أنانية البشر، خاصةً الآباء، بكيت مثيرة دهشتها وضحكها، واعتذرت لأنها لم تقصد أن تسبب لي هذا الاكتئاب، لكن ما مرَّت به كان مُبكيًا من وجهة نظري، كنا حينها في إحدى المقاهي الشهيرة، ولم أستطع تملك زمام مشاعري، مما تسبب في تشويه "برستيجي" تمامًا..
لابد أن حوارًا مشابهًا دار بين جارسونات المقهى:
جارسون 1 : قابل يا عم، أهي جاية تعيط لنا ع الصبح! هو أحنا ناقصين، تروح تعيط في بيتهم!
جارسون 2 : تلاقي اللي معاها بتقلها إنها شافت صاحبها بيدور على حل شعره مع واحدة تانية!
جارسون 3 : أو أبوها مرضيش يخليها تروح حفلة "حماقي"!

أذكر إن إحدى صديقاتي أنزعجت مرة لأني لم أرد إخبارها بما يدور بخلدي أو يعطب مزاجي مؤخرًا، فقلت لها أنه لا داعي لذلك ما دمت لا تستطيعين مساعدتي على حل المشكلة، فردت أني أصرّ على تذكيرها بقلة حيلتها اتجاها، وليس هذا ما كنت أقصده أبدًا، فأحد أهم الأسباب التي تجعلني لا أحب التحدث عمّا يزعجني هو أن هذا لا يريحني، إن أتيت وكتبت هنا قد أرتاح أكثر، باختصار يمكن للتعبير العامي "بيقلب المواجع" أن يلخص الموضوع، ما لم يكن الذي سأحكي له يملك حلاً لمشكلتي لا أجد داعيًا لأن أحكيها له أصلاً! حتى لو كانت أمي، التي تشكو دائمًا من أن أبنائها صامتون كالبوم، ولا يخبرها أحدهم بما يزعجه أبدًا، رغم رؤيتها أنه من أبسط حقوقها كأم أن تعرف دواخل أبنائها! 

أحيانًا تريحني بعض العبارات المقتضبة، لأني أعرف أن مَن أمامي سيرد بعبارات مقتضبة أخرى يحاول أن يطمئني بها، وحينها أكون ممتنة جدًا له، فأنا لا أحتاج أكثر من ذلك! أحيان أخرى قد أبكي فجأة ودون سابق إنذار، وحدث هذا من قبل في مقهى شهير آخر، وجلست صديقتاي تضربان أخماسًا في أسداس ليعرفوا لِمَ بكيت، وربما أنا نفسي لم أكن أدرك تمامَا ما الذي جعلني أبكي في هذه اللحظة، وحينما فقدتا الأمل في أن أتحدث، أكتفيتا بالتربيت والمواساة.. وهذا أيضًا يكفيني وزيادة. ولأعترف هنا أن من آثار تبني فلسفة "التحمل وحدي" أني حتى حينما أريد التحدث عمّا يؤلمني لا أستطيع، خاصةً في الحديث المباشر، فالكتابة تسهل عليَّ الأمر كثيرًا، أحيانًا أكون مع مَن أعتبرهم الأقرب لي في هذه الدنيا ولا أستطيع قول ما أريد، أغص بالكلمات، وقد تدمع عينيّ لذلك وأداريه بابتسامة عريضة، لكن ينتهى اللقاء دون أن أقول شيئًا واحدًا مما يعتمل في قلبي. ربما هذا الأثر السلبي الوحيد من هذه الفلسفة، أما البقية فأعتبرها إجابيات.

أما عن دربي الصعب، فقدمي رغم إصابتها لا زالت مشايّ! وصحيح أني أقف متسائلة أحيانأ، وحائرة كثيرًا، وتائهة معظم الوقت، لكني لا زلت أرى أن إيجاد الطريق مهمتي أنا وحدي، وحتى إن ساعدني أحدهم ودلني على الطريق الصحيح، فمَن أدراني أن صحيحه هو صحيحي أنا أيضًا! ولأن الدرب صعب أحتاج أحيانًا أن أجلس وحدي، حتى استجمع الطاقة الكافية لأكوّن ظلي الذي سأستظل به ! وحينما تتحمل القوافل بالحزن فأفضل أن أكون الحادي أيضًا، ولا داعي لأن يتحمل شخص آخر كل السوداوية التي تطفح من داخلي أحيانًا، فأنا أكون مبتهجة ومرحة أحيانًا، وفجأة ابدأ في طور الاكتئاب الأسود الذي يخرج آثاره المتفحمة على كل ما حوله، وهذا ما يجعلني أشعر أحيانًا بأني مصابة بمتلازمة الهوس الاكتئابي، لكن وضعي لم يصل للحد المرضى الواضح بعد XD  !

هذه التدوينة كُتبت على ثلاث جلسات متباعدة في نفس اليوم، هذا شيء نادرًا ما يحدث، أو لنقل لم يحدث من قبل، حتى حينما أريد التحدث عن أني لا أحب التحدث يكون الأمر صعبًا، وتتخلله المقاطعات XD !
يبدو ما كتبته الآن غريبًا، ومفتقد للتماسك، لكن لا بأس، ليست رواية لأحرص على تماسكها وحبكتها، كتبت ما بخاطري فحسب، ولا داعي أن يكون اتساقه مثاليًا !
بمناسبة كاظم ! .. هناك أغنية له اسمها "حوار مع النفس"، تناسب جو التساؤلات الذي كنت أتحدث عنه، وعن أشباه الأصدقاء أيضًا، وعن دفائن القلب، سأختتم بها ثرثرتي اليوم!



<< لسبب ما أشعر أني كمقدمة برامج الراديو مع الفقرة الأخيرة هذه، ولا ينقصني سوى أن اقرأ الرسائل التي وصلت للبرنامج لأهدي الأغاني إلى لولو وطنط سوسن، وحبيبي التائه في غياهب بلوتو XD !أك



الجمعة، 27 نوفمبر 2015

صبّارتي العزيزة !





منذ بضعة أيام، وأثناء ثرثرتنا عن شيء ما، أقترحت صديقتي أن نتعانق –سيبريًا أعني- فما كان مني إلا أن رددت بالصورة الموضحة أعلاه. لتثير الصورة سخرية صديقتان وضحكهما، فأخبرتهما أن الصبار هي الصورة التي وجدتها أكثر تعبيرًا عن العلاقات البشرية. ولأني أثق في عبقرية صديقتيَّ التي كنت أثرثر معهما ثرثرة عابرة، فواثقة أن ما قصدته لم يكن بحاجة للتوضيح، حتى تفهمان ما كنت أقصد. لكن ظلت الصورة تحتل جزءًا من عقلي الباطن، تريدها أن أتحدث أكثر عمّا قصدت حينها، ربما أنا نفسي أريد من خلال الكتابة بالتداعي أن أفهم أكثر لماذا اخترت هذه الصورة لا شعوريًا، ودون تردد تقريبًا. ربما يظن البعض هذ سخافةً شديدة، وأني أضيع وقتي لأتحدث عن صورة غريبة كهذه ؟؟
لا أنفي التهمة! لكني لا أريد التحدث عن الصورة بحد ذاتها، بل عن العلاقات البشرية التي ذكرتني بالصبار!
أذكر أني منذ بضعة سنوات، ربما أربع سنوات، كتبت قصة وأسميتها "لعنة بشرية"، في نهاية تلك القصة قامت البطلة بتحطيم دميتها التي كانت تحدثها وتفرغ لها لواعج قلبها، حتى الدمية التي لم تفعل لها شيئًا هو الاستماع لها، تحطمت في نوبة غضب. فالبشر بطبعهم كائنات مؤذية، حتى إن لم يقصدوا ذلك! ومن هنا أتى عنوان القصة، فالإذاء هذا هو اللعنة التي تلاحق الجميع سواء كانوا على دراية بذلك أم لم يكونوا! سواء كانوا يأذون من حولهم، أو يأذون أنفسهم، فالمحصلة تهمة مثبتة لا يمكن التبرء منها، البشر – أنا وأنت – نحن كائنات مؤذية .. شئنا أم أبينا!
لذا حينما رأيت الصورة شعرت أنها قريبة منا إلى حد كبير، شعرت بأن أشواك الصبار تمثل قدرة الإنسان على الإيذاء، ليس بالضرورة لأن ذاك الشخص ذو الأشواك شرير! لو عدنا للصبار مجددًا، فسنعلم أنه قاسِ ولا يملك أوراقًا أو يملك أورقًا ضامرة حتى لا تتبخر المياه! لأنه ينشأ في ظروف وبيئة صحراوية صعبة، فبالكاد يجد المياه التي تبقيه حيًا! وبدلاً من تلك الأوراق يملك الصبار أشواكًا، حتى يقلل من تعرضه للشمس، وحتى لا تقتات عليه حيوانات الصحراء!
إذًا.. الصبار ليس نباتًا شريرًا! هو يحاول أن يحافظ على وجوده فقط.. يحاول أن يبقى حتى لو جعله هذا مليئًا بالأشواك، حتى لو لم يكن له أزهارًا جميلة وأوراقًا وارفة! ليس خطأه أنه وُجِد في الصحراء.. إنّه يحاول التأقلم ليبقى فقط!
يبدو أني تماديت في التحدث عن الصبار والتعاطف معه.. لكنك غالبًا استنتجت ما أريد قوله. لا أحد يدري ما البيئة التي خُلق فيها الإنسان الذي أمامنا، لا أحد يدري ما الذي تعرض له وجعله يحمي نفسه بكل تلك الأشواك بعدها، لا أحد يمكنه معرفة ندرة المياه التي تعرض لها وجعلته قاسيًا جامدًا إلى هذا الحد، ربما لو علمنا مدى ندرتها لقدرنا عدم قدرته على تبديدها بسهولة، وقد نتفهم أنّه لا يستطيع فعل ذلك مع أي شخص.. وإلا فبقائه نفسه سيصبح مهددًا !
إذًا ما شأن الصبار بالعناق؟ ما شأنه بثرثرة الصديقات التي أقحمت عليها صورة عجيبة كهذه؟
ما سأكتبه الآن هو أول ما خطر ببالي حينما اخترتها، نحن مليئات بالأشواك!
رغم هذا لم نخشَ لحظة العناق هذه، خاطرنا بتحمل الوجع الذي قد يخلفه لنا الاحتكاك بتلك الأشواك، وبعد ذلك ما الذي سأستفيده؟ ما المميز في أشواك الآخريين ألا تكفيني أشواكِ أنا ! الإجابة بسيطة، أتعرف ثمرة الصبار؟ ..التي تُسمى أحيانًا "التين الشوكي"؟ هل رأيتها من قبل، وجربت نزع قشرتها وأكلها من قبل؟ أولاً عليك بنقعها في بعض الماء حتى تسقط الأشواك، ثم يمكنك إحداث قطع واحد فيها لتنزع القشر القاسية كلها، وحينها يمكنك الاستمتاع بأكل الثمرة، التي تتميز بحلاوة خاصة بها، ولا أجد ما يُشابهها في أي فاكهة أخرى! لنعد للتشبيهات مرة أخرى، بعد تحملي للأشواك البشرية تلك، أنا انتظر حتى يمكنني لمس الجزء اللين الذي يميز حلاوة مَن أمامي، وكل إنسان له حلاوة تميزه هو وحده، أحتاج للصبر الذي تصبره ربة المنزل أثناء نقع ثمار التين الشوكي في الماء، والحذر أثناء انتزاع القشرة القاسية!
آه.. اثناء تناولك للتين الشوكي ستجد بعض البذور التي لا يمكن مضغها بسهولة، ابتلعها يا عزيزي .. ابتلعها، لأنك لن تجد الثمرة كلها حلوة وسائغة كما تريدها أنت، حتى الكرز بكل جاذبيته وجماله ستجد بداخله بذورًا!




الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

-في ألم؟ ...-في أمل !

منذ بضعة أيام، كنت عند طبيب العظام، لأن قدمي لا تجد ثلاثة شهور فترة كافية لتتعافى من إصابتها، ولا زالت تأن معترضة، اعتليتُ سرير الفحص، وبدأ هو بتحريك قدمي وإبهامي مختبرًا استجابتي للألم:
- في ألم هنا؟
- لما أمشي ..بيكون في ألم هنا!
- هنا..في ألم ؟
- آه.. في أمل!

(ليتصاعد صوتي الداخلي: أمل إيه بس، ركزي شوية!!)
كتمت ضحكي بصعوبة وكررت مصححة:  في ألــم !
 ضاغطة حروف الكلمة الأخيرة حتى لا تعود أمل بظهورها المفاجئ.
- ألم شديد؟
- لا .. محتمل!
- محتمل؟!
لا أذكر مرة سألني فيها عن شدة الألم، ولم أقل له أن الألمَ مُحتمل وليس شديدًا، حتى في بداية الإصابة، لم تختلف الإجابة. والواقع أن هذا السؤال يجعلني أفكر كيف ستختلف الإجابة من شخص لآخر!
فلو افترضنا أن للألم مقياسًا من 1 إلى 10 ، وسألك الطبيب عن مدى ألمك فعلى أي أساسٍ ستُجيب؟
ستجيب على أساس أقصى ألم مررت به، والذي مقارنةً به أصبح ألمك الآن يقدر برقم 4 أو 5،  ربما كان ألمي الذي وصل لأقصاه (10)، يكون لدى شخص آخر ألم لا يصل إلى حد الإزعاج.. (3) مثلاً! وبالمثل قد يُقدِّر شخص آخر ألمه بأنه شديد (8)، وأنا أعتبره لا زال في مرحلة "ألم محتمل".
أظن هذا يحدث بشكل لا واعي إلى حد كبير، لكني أدرك أني أقارن برقم (10) مررت به منذ ما يقارب الثلاث سنوات، حينما خضعت لعملية جراحية، لا يعرف تفاصيلها الكثيرون، لم تكن العملية خطيرة، ولا تهدد الحياة، لكنها كانت مؤلمة بالتأكيد، أذكر أن أحد أقاربي سأل والدتي مازحًا مَن سببت وأنا أفيق من التخدير، فلم أفهم المزحة جيدًا، أخبروني أنه في مرحلة الاستفاقة من البنج كثيرًا ما يستفيق المرضى وهم يسبون ويلعنون، يعتبر الناس أن لواعج قلب المرء تخرج حينها، ويظهر على حقيقته أخيرًا، قلت بيني وبين نفسي ربما لشدة الألم يحدث ذلك، فالتجارب تقول أن تلفظك بالسُباب قد يقلل من حدة ألمك! أو لأن الظهور بمظهر الشرير الذي يطلق السباب، أفضل لدى البعض من مظهر البائس الذي يتلوى ألمًا، فيصرخ طالبًا ما يريد بوقاحة مداريًا ضعفه. بالطبع، هذا لا ينفي وجود أوغاد يظهرون على حقيقتهم أحيانًا
:D !
 آه.. تظنون أني لم أجب السؤال عمدًا! حسنًا..حينها أجابت أمي: تقبر قلبي، ما سبت حدا!
ولتكن إجابتي أكثر تحديدًا،أذكر حينها أن أول كلمات نطقتها هي أني أريد مسكن! وأظنني بعدها بقليل طلبت بطانية أخرى لأني كنت أرتجف ألمًا وبردًا.  
لنعد إلى قبل أن يكشف الطبيب على قدمي، أخبرته والدتي مكملة كلامي أن بعد تحسن دام أسبوع أو اثنين عاد الألم، وأنها لا تتحمل أي مجهود، وأنها تبكي لو ارتطمت قدمها بأي، حدثتني نفسي أن والدتك أهدرت كرامتك بالكامل وانتهى الأمر، وعدلت أنا على ما تقوله بأني لم أكن أبكي لشدة الألم، بل لأن الوقت طال ولا زلت لم أتعافى!
كانت أمي تشير إلى ما حدث قبلها بعدة ساعة، حينما كان أخي يقوم بتصليح شيئا ما، تاركًا مفك البراغي أرضًا، وارتطمت أنا به أثناء سيري، ليصيب مكان الألم تحديدًا، اعتذر لي أخي بهدوء، وقال أنه ليس ثقيلاً، وبالتأكيد لم يؤلمني كثيرًا!
لكني بكيت حينها، مغادرةً الغرفة، طبعًا التفسير المنطقي هو أني بكيت من شدة الوجع!
وهو الشيء الذي لا شأن له بالأمر! بشكل عام لا أحب أن ترتبط لحظة بكائي بما يدور من أحداث حولها، لأنها غالبًا لا تكون ذات علاقة وثيقة بها، ربما يكون مجرد دبوس يفجر بالونة دموعي، لا أكثر، كما حدث ذلك اليوم.
بعد إصابة قدمي، لم أعد قادرة على ممارسة رياضتي المفضلة، المشي، أنا التي كان يمكنها الاستمرار بالمشي ثلاث ساعات، وأبقى مستمتعة بالأمر، أتألم الآن بعد عشر دقائق، ولم أعد قادرة على ممارسة أي رياضة بها بعض المجهود. الوقوف لمدة طويلة لأطهو الأشياء التي تتطلب دقة وتركيزًا كبيرًا، مما يريح ذهني من التفكير، لم يعد متاحًا لأنه يرهقني، لم أعد قادرة على الصلاة أو بالأحرى السجود دون استخدام كرسي لأن قدمي ﻻ تحتمل وزني في تلك الوضعية، يوميًا تقريبًا ترتطم قدمي المصابة بشيء ما، أو يقع فوقها مقص، أو ترتطم بمفك براغي، أو يدوس عليها شخص ما. وكأنها مستهدفة مِن قبل كائنات جانب النجوم الخفيّة، الذين يتسلون عليّ بسادية.
حينها لم أبكي لشدة الألم، بكيت لأني مللت مما يحدث وكاد ينفذ صبري. بكيت لأني أعرف أن مُعاناتي لا تقاس بمعاناة غيري، لكني لا زلت لا أحتملها، وضقت بها. لم أبك طويلاً كما قد يبدو من كثرة الحديث عن الموقف، ربما لم يتجاوز بكائي دقيقة واحدة، وفرغت بالونة دموعي التي انفجرت فجأة.

لكن ما حدث جعلني أفكر بأن الألم لا ينبغي أن يكون شديدًا ليُشعرك بالضيق، قد يكون ألم محتمل، لكنه يُعيقك عن الكثير، يُشعرك بالخوف من أن يتحول رقم 4 إلى 5، ورقم 5 إلى 6، حتى تصل لنهاية المقياس. الألم يُشعرك بأنّك كائن مُهدد وهش طوال الوقت، يُذكرك بلا رحمة بضعفك وقلة حيلتك!
وبالتأكيد لا أتحدث ها هنا عن إصابة قدمي وحسب، لكني أتحدث عن أي ألم، حتى النفسي منه، مثل شعورك بوخز داخلي دائم لمواجهتك شيء تكرهه، أو لاحتمالك واقع فُرِض عليك تحمله، لخطأ ارتكتبه وتشعر بتأنيب ضمير بسببه، لخوف من مستقبلِ يبدو غامضًا وقاتمًا. كل هذا قد يكون على مقياس ألم من 1 إلى 10 لا يتجاوز رقم 4 أو 5 !
لكنه يُفسد عليك حياتك، قد يراك البعض شخصًا بكّاءً ويرون ألمك على المقياس يساوي صفر! لكن لا أحد يشعر بألم أحد، لكلِ منا مقياسه، لكل منا حساسية ألم تجاه أشياء تختلف من شخص لآخر.
ربما هذا أهم درس تعلمته في الفترة الأخيرة، ألا أتهاون مع تلك الآلام الداخلية الصغيرة، وأحاول أن أوجه لها بعض العناية، قبل أن يزداد وضعها سوءًا. لا داعي لأن أنتظر حتى تصل لأقصى المقياس وتصرخ كمغنية سوبرانو، حتى أعير لها بعض الاهتمام!
منذ ثلاث سنوات تقريبًا، حينما حان وقت عودتي للمنزل، ربما كان مقياس الألم يقدر بـ 8 ، أتى أبي ليعدني أنا وأمي في تلك الليلة، وأثناء عودتنا، كان يقود السيارة وكأنه يلعب Crazy Taxi ! ولك أن تتخيل حالي وأنا أجلس في المقعد الخلفي للسيارة، التي يقودها أبي بلا اكتراث كعادته، ويزيد الوضع سوءًا شوارع مصر، التي تعتبر الحفر والمطبات من علاماتها التجارية! كلما تأوهت مخبرة أبي أن يقود بتمهل، كان يخبرني ألا أخاف، وأن شيئًا لن يحدث لي، حتى لو شعرت ببعض بالألم الآن. والواقع أنه كان يضحك كلما رجوته بالتمهل، يبدو أنه كان يحظي بيوم ممتع، مما جعلني أضحك على قيادته وتعليقاته أحيانًا. كان مقياس الألم 8، تأوهت كثيرًا.. لكني كنت قادرة على الضحك!
حتى لو سارت بنا الحياة كما تسير السيارة في لعبة
Crazy Taxi، وحتى لو كان الطريق فيها أكثر شناعةً من شوارع مصر، وحتى لو كان مقياس الألم عاليًا، ربما يحدث ما يمكنك من الضحك.. ربما كانت الإجاباتان صحيحتان حينما أجبت الطبيب: في أمل...وفي ألـم !


الاثنين، 23 نوفمبر 2015

!Not Impressive Enough




عودة لتلك الاعترافات المعلّقة مرة أخرى –وربما أخيرة- فهذين الاعترافين فجرا بداخلي الكثير بشأن علاقاتي البشرية، لأرى مجددًا ما فيها من مزايا وتناقضات. وكما كُتب في إحدى الاعترافين "أكره أن أكون وحيدًا، لكني بشكل ما دومًا وحيد!" حينما قرأتها للمرة الأولى فلت لنفسي كاتب هذه العبارة لا يفقه شيئًا عن الوحدة ومنافعها، فشخص مثلي يختار الوحدة لشهور طويلة يدرك كيف يمكن أن تؤثر إيجابًا على الاستقرار النفسي، وفاعلية التفكير، وإيجاد الصوت الداخلي، لكني تذكرت أن تلك الوحدة الاختيارية إن طالت تصبح عواقبها وخيمة أحيانًا، فبعد حالة الاستقرار النفسي تلك، التي جعلتك تفكر وتجد صوتك الداخلي، لا يصبح أمامك سواه.. أجل أتحدث عن الصوت الداخلي، فإيجاده لن يحل المشكلة كما تتخيل، بل قد يبدأ بسلسلة طويلة من المشاكل! فالصوت الداخلي ليس ملاكك الحارس الذي سيقودك بحكمة عبر المصاعب التي تمر بها، صوتك الداخلي قد يكون شيطانيًا، قد يكون غبيًا! وأحيانًا يكون كل هذا معًا، يمكنك اعتبارها حالة معقدة من الـ D.I.D  الداخلية لكنها لم تصل إلى حد ظهور أعراض على عائلها الأساسي. ولأني أدرك أن الوحدة ليست دائمًا هي الإجابة الأفضل فأعود لأمد مجساتي لأتحسس من لا زال حولي من أصدقاء، هل غادروا كلهم؟ هل هناك من يتقبل ذهابي وعودتي دون اعتبار هذا طمعًا مني؟
ولحسن الحظ أجد البعض، والآن يمكنني معرفة ثلاثة أو أربعة أشخاص، أعتقد أن لديهم الصبر لتحمل تلك الحلقة المفرغة التي أعيشها، الرغبة في التقوقع، ثم كسرالقعوقعة والعودة لهم مجددًا.

بعد الوحدة الطويلة وكسر القوقعة، أجد نفسي راغبة بالمزيد من التواصل البشري، الأمر شبيه بمن كان يتبع حمية غذائية على الرغم منه، وبمجرد أن ينتهي جدول الحمية يترك لنفسه العنان، ما سيحدث حينها هو التخمة بالتأكيد!
ولأني شخص لا يحب أن يُصاب بالتخمة، على اختلاف أنواعها، وضعت لنفسي بعض القواعد، لأخرج من قوقعتي وأدخلها بأقل قدر من الخسائر.
القواعد هي:
- لا يمكنك عقد صداقات مقربة مع أشخاص كُثر، كلما كان الأشخاص المقربين أقل، كلما كانت العلاقة أقرب للمصداقية والاستمرارية، وإن كانوا قلة يمكنك التواصل معهم حتى وأنتِ في مرحلة  التقوقع!
- لا تقتربي من أي شخص أكثر مما ينبغي، إن كبَّرت الصورة كثيرًا سترين كل عيوبها، لا داعي لأن تفعلي هذا، وتفسدي جمال ما ترينه.
- لا تدعي أي شخص يقترب أكثر مما ينبغي، حتى لا تفسدي جمال ما يرونه.
- لا صداقات أبدية، الصداقة ستنتهي يومًا، وغالبًا سيحدث هذا بطريقة الموت البطيء، الأمر مؤلم، لكن هكذا هي الحياة، ستعتادين الأمر مع الوقت.
لذا لا يصعب الاستنتاج أن أصدقائي المقربون عزيزون جدًا على قلبي، وأعتبرهم للكنز أقرب، ولا يصعب استنتاج أيضًا أني مهما حاولت منع نفسي من ذلك..أنا أتعلق بهم بشدة، وحتى لو كنت أعلم أن وجودهم في حياتي ليس أبديًا، وحتى لو كان تفهمي شديد لحريتهم في الذهاب والعودة كما يشائون، فأحيانًا تخرج مني بعض التصرفات التي تخالف هذين الاعتقادين، أتصرف أو أقول شيئًا أنانيًا قد يتسبب بشرخ العلاقة، شرخًا يجلب شروخًا أخرى فيتهاوى ما بنته السنين، وهذا يجعلني أكثر ترددًا في التصرف والتواصل فيما بعد.




حان الوقت للحديث عن الاعتراف الثاني، "لا أدري لماذا عليّ إبهار الآخرين دائمًا.. هذا غباء!"
ولأن العلاقات تنتهي وتفشل ببطء، ابدأ بتحليل الأمر أحيانًا! لماذا؟ أعلم أن هذا ما سيحدث يومًا ما، لكن لماذا الآن؟
لماذا بهذا البرود؟ لماذا أنا وليس شخصًا آخر!
وكطفلة في السادسة من عمرها، بكل قصورها في التفكير، وقلة تقديرها لما يمر به الآخرين، يبدأ اعتقاد يترسخ بأني السبب في الأمر ! ربما لأني لم أكن صادقة كفاية، لم أكن منتبهة كفاية! وغالبًا السبب الذي يحتل رأس قائمة الأسباب أني لست مبهرة كفاية!  ربما لو كنت أكثر إبهارًا، أكثر إنجازًا، أكثر ذكاءً، لما حدث هذا! ربما حينها يكون لمعرفتي قيمة أكبر، ويكون لي وزنًا أثقل..لا يجعلني أول من يُطيح به عنف المرور بمنعطفِ جديد!

الأحد، 22 نوفمبر 2015

فلسفة السبانخ!

أتعرف "أم سعف"؟ لن ألومك إن كنت لا تعرفها، فحتى أنا التي أريد أكتب عنها الآن، معرفتي بها سطحية جدًا!  "أم سعف" هي بطلة مسلسل كارتوني كويتي، لم أشاهد سوى حلقة واحده منه، هذا إن كنت شاهدتها كاملة أصلاً، فلا أتذكر حقًا هل سمعت تلك العبارة أثناء مشاهدة عابرة، أم سمعتها من إعلان عن المسلسل.
لكن من قال أنّه يجب أن تعرف شخصًا ما جيدًا حتى يلهمك؟!
فرغم معرفتي السطحية بأم سعف، كان لها تأثيرًا إيجابيً في تكوين إحدى فلسفاتي في الحياة.. ولنكون معًا على نفس الصفحة، كان ما سمعته هو عبارة من الحوار التالي: 



-
يا أما أبا أقولك شي، بس أخاف تخانقيني !
- هاااا.. شو مسوي؟ شو مغبر؟
- يا أما.. أنا ...أنا ..
- قول ...قول ؟
- أنتي حبيتي أبوي قبل ما تتزوجينه؟؟
- شنو؟ شاكو هالسؤال الحين بموضوعك؟
- يا أما أنا أعيش حالة حب، أنتي أكيد عشتيها مع أبوي قبل الزواج، صح؟
- أنت من صدجك؟... أنتَ شفت أبوك؟ أبوك ما ينحب.. أبوك يتعودون عليه بس!!

ما سمعته كان آخر سطرين فقط! والجزء الثاني من السطر الأخير هو ما كان له الأثر في بداية تكوين فلسفتي الجديدة! العنصر الثاني الذي أكمل هذه الفلسفة هو "السبانخ"!! وعلى عكس "أم سعف"..أنت غالبًا تعرفها، لكن ربما علاقتكما سيئة، صحيح؟
كانت علاقتي بها سيئة منذ الصغر أيضًا، فكنت أتسائل: تلك الكتل الهلامية الخضراء، ذات الطعم الحاد، مَن الذي ظن أنّها تصلح كطعام للآدميين أصلاً؟ أيجب أن يجربوا كل شيء أخضر كالجراد؟ بعض الأشياء لا تُأكل فعلاً!!
لكن مع تقدمي في العمر، أصبحت أكثر تساهلاً مع رغبة البشريين في أكل شيء، ما يهمني الآن هو قيمته الغذائية!!
ولا يخفي عليك فوائد السبانخ، فكون علاقتك بها سيئة لا يتعارض مع إقرارك بكل محاسنها الأخرى. لذا وفي أحد الأيام الشتوية الغائمة التي قامت فيها والدتي بطهي السبانخ الخضراء العتيدة، قررت حينها بأني سآكل السبانخ مهما كان طعمه، أنا كبيرة بما يكفي لأن آكل لأجل الفائدة وليس لأجل الطعم. حينها حدقت في صحني، وحدثت نفسي: أنتِ شايفة السبانخ يا آية؟ السبانخ ما تنحب...السبانخ يتعودون عليها بس!!
ولأنها أصبحت فلسفة من فلسفاتي العديدة كما اسلفت، يمكنك أن تستنتج أني تعودت على السبانخ، وأحببتها..ذلك الحب الهادئ التدريجي الذي يأتي بعد عشرة السنوات. الآن أطلب من والدتي طهي السبانخ كثيرًا، وأطالبها بتخزين البعض في الثلاجة حتى آكلها بعد انتهاء موسم السبانخ!

منذ ذلك الحين، وأنا استعمل عبارة "ما تنحب..يتعودون عليها بس"! مع أشياء كثيرة، أرى فائدتها على حياتي أو صحتي أو تطوري المهني. تعوّدت عليها، وربما أحبها بعد بضعة أشهر أو سنوات. لن يكون كل شيء يساعدني على بلوغ أريد محببًا لنفسي، ومزينًا بالشكولاته وحبات اللولوء السكرية، بعض الأشياء ستبدو كئيبة ومتكتلة كالسبانخ، ونفس المرء تعاف الكثير مما ترى في هضمه النفسي أو العقلي صعوبة، لكن حبي للسبانخ جعلني أؤمن بقدرتي على حب أشياء أخرى عديدة من بعدها.

السبت، 21 نوفمبر 2015

لست بطلك




"I wish I never went to war."
"أتمنى لو أني لم أذهب للحرب قط"
عُلّقت هذه اللوحة الخشبية في معرض للاعترافات في مدينة "نيويورك"، وبهذا يدمجون طقوس الاعتراف المسيحية، مع طقس بوذي يقوم فيه الشخص بكتابة أمنيته / صلاته على لوح خشبي ويعلقه في المعبد. منذ بضعة أسابيع قامت صديقة بإعطائي رابط للموقع الذي صوّر كل هذه الاعترافات وعرضها في موقع إليكتروني. حينما بدأت بالقراءة بعضها لمس وترًا داخليًا عندي، أو ذكرني بشيء ما، وهذه اللوحة ذكرتني بهذه الأغنية.. وخاصةً المقطع الأول منها..



Let me go
I don't wanna be your hero
I don't wanna be a big man
Just wanna fight with everyone else
Your masquerade
I don't wanna be a part of your parade
Everyone deserves a chance to
Walk with everyone else
دعني أذهب
لا أريد أن أكون بطلك
لا أريد أن أكون رجلاً كبيرًا
أريد فقط أن أقاتل مع الجميع
في حفلتك التنكرية
لا أريد أن أكون جزءًا من استعراضاتك العسكرية
كل شخص يستحق فرصة
ليسير مع أي شخص آخر

الاغنية لفيلم "Boyhood" الذي لم أشاهده بعد، لكني مقتنعة أن الأغاني مثل بقية الفنون، بإمكانك تفسيرها كما تراها أنتَ بعينيك، وتشعر بها بداخلك، بغض النظر عن غرض أو فكرة صانعيها. ذكرتني الأغنية بوضع الجنود الأمريكيين الذين يذهبون إلى الحرب، وترسلهم "أمريكا" إلى حرب ضروس تحت ادعاء أنهم ينقذون وطنهم، ويدافعون عن الحرية!!
فيذهب أولئك الجنود إلى هناك، ومَن يعود منهم سالمًا جسديًا، تخفي نفسيته عشرات الكدمات والسجحات. وغالبًا صاحب هذا الاعتراف هو أحدهم.

منذ عدة سنوات، أذكر مشاهدتي لإحدى حلقات الموسم الأخير من برنامج "أوبرا"، حيث استضافت جنودًا عادوا من الحرب، أحدهم مصاب بعاهة مستديمة، ويعاني أيما معاناة لأنه يحاول إيجاد دورًا ما لنفسه في هذه الحياة بعدما عاد بهذه الحالة. الجندية الأخرى، كانت أم ذهبت للحرب، لا أذكر ذلك بثقة تامة، لكن أظن أن سبب ذهابها هو رغبتها بتحسين حالة الأسرة المادية بالتعويضات التي تدفع للجنود المتطوعين. حينما تركت منزلها وذهبت للحرب، ومع مرور الشهور، أخذ زوجها الأولاد وغادر المنزل، مستوليًا على حق حضانتهم لأنها غائبة. كانت تشكو مما حدث، من ضياع أسرتها ومنزلها. في تلك الحلقة قال أحد الضيوف لأوبرا، ما معناه، أمريكا كلها شاركت في أمر حرب فيتنام، فمن شجعها ذهب إلى هناك، ومن لم يفعل عارضها بكل قوته هنا. لكن في حرب العراق، لم يعاني سوى من ذهب لهناك وعائلاتهم، أما بقية أمريكا فلا شأن لها فيما يحدث!

لا، لم أُجن بعد لأكتب دفاعًا عن أمريكا وتعاطفًا مع جنودها لأنهم عانوا في العراق، لكني لا زالت أذكر شعوري بعد مشاهدة تلك الحلقة، ذلك الشعور الذي أعاده الاعتراف المكتوب على اللوحة الخشبية، شعرت حينها بالحيرة!
حسنًا، لماذا إذًا ترسل أمريكا أبنائها لهناك؟ ألا يرون أنهم يعانون؟!
يعرف عقلي الإجابة المنطقية، أن ذلك لأنها تريد النفط، تريد التحكم، تريد فرض السيطرة وإثبات القوة، هكذا هم البشر، لا يستطيع من يحصل على القوة أن يجلس ويحتضنها هانئًا بدفئها.. عليه أن يرسلها لتحرق من حوله مثبتًا قدراته على تشكيل ما حوله بعد المحرقة!
لكني لا زلت محتارة! أنا حقًا لا يمكنني استيعاب أن ترسل بلدًا جيشها –ابنائها- ليهاجموا دولة أخرى، لا توجد حرب مباشرة قائمة بينهم، تفعل ذلك خوفًا من قوة محتملة قد يحترزها ذلك العدو ربما، مع ذلك لا زلت لا أرى منطقية في فعل "went" "ذهبَ" نفسه، لماذا يقوم أحدهم بالذهاب للجحيم بقدميه؟
ولأن فعل "went" أرقّني، تذكرت مأساوية فعل " "cameحينما قرأت الاعتراف! تذكرت من أتت لهم الحرب ككابوس مفاجيء، لتمشي الهويني بين بيوتهم، وتدمرها بيتًا بيتًا وهم يشاهدونها مذعورين بأم أعينهم، متسائلين مَن؟ ماذا؟ لماذا؟!
فما يدهشني أكثر من أن ترسل دولة ابنائها لتحارب دولة أخرى، هو أن تقوم الحرب بين أبناء الدولة الواحدة، أن تكون الحرب داخلية، وهذا لعمري اسوأ وأكثر مأساوية من الحرب مع المحتل. وحينما تأتي الحرب إليك لا يكون أمامك سوى محاولة الدفاع الغريزي، حتى لو كان هذا الدفاع بدائيًا، ومشتتًا، ومثيرًا للشفقة. فأنتَ لم تذهب للحرب مستعدًا، بل هي من أتت إليك دون موعد سابق.
عبثية أن تقوم حرب لمجرد أن البعض يقوم ببعض المظاهرات والهتاف شيء لم أكن أظن أني سأعيش لأراه، فالحروب بعيدة، يتحدثون عنها في النشرات الإخبارية والأفلام التسجيلية، ولن يكون لها أي أثر عليّ أو على من أحب، هذا كان منذ بضع سنوات، وأدرك الآن مدى سذاجته. بعد قيام الخريف العربي في سوريا، لا أدري على من يجب أن أُسقط اللوم، فلا يمكنك لوم أحدهم لأنه يعترض على تعامل الأسد مع سوريا على أنها عزبة والده، ويعتبر شعبها خرافه المطيعة التي يقودها كيفما شاء، لكن لا يمكنك أن تقتنع بعبارة لم نكن نتوقع كل هذا وتقبلها بضمير مرتاح، فما فعله الأسد الأب في حماه عام 1982 لا يخفى على أحد. ربما لم يظنوا أن الدموية والجنون والسياسة وحقراتها ستحول وطنهم إلى أرضٍ محروقة، ربما ظنوا أنه عصر العولمة، ولن يستطيعوا إخفاء ما فعلوه كما حدث عام 1982، ولن يصمت المجتمع الدولي على هذا. ولا يمكننا إنكار أنه لم يفعل، فالمجتمع الدولي يشجب، ويعترض، ويدين، ويندد، ويعقد اجتماعات، ولا يبدو مقصرًا أبدًا..أبًدا!!
في السنوات الأربعا الماضية بدت فكرة الوطن خيالية، أي وطن يفعل هذا بأبنائه؟ وتبدو فكرة أن يضحي أحدهم بحياته لأجل ذلك الوطن الخيالي شيء غير منطقي! لأنك تضحي عارفًا أن تلك التضحية ليست سوى رقمًا. فموتك أو اعتقالك لن يحسن ذلك الوطن الذي هببت لتدافع عنه، فأنتَ بالنسبة له رقم ضمن ضحاياه، لا أكثر.. وربما أقل! لكنك لست رقمًا لعائلتك، وأصدقائك، لست رقمًا إن تخليت عن حلم البطولة، وهربت لتعيش في مكان ما بعيدًا عن هذا الجحيم، وحتى إن عدُّوك رقمًا، فلن يضرك هذا ما دمت حيًّا تُرزق، ولم تبع روحك لحلم خيالي.. علّه يومًا يتحقق.

"أتمنى لو أن الحرب لم تأتِ لنا أبدًا."

"I wish war never came to us."





الجمعة، 20 نوفمبر 2015

العطب المتزايد

جميع ربات البيوت تعلمن أنها حينما تبتاع بعض الفاكهة، وتجد ثمرة واحدة بها شيء من العطب، لا تضعها مع البقية، لأنها بالتأكد ستصيبهم بالعطب كذلك! تبدو الجملة وكأني سأتحدث عن وجوب بعدك عن الثمرة الفاسدة، حتى لا تُصاب بالعطب أنتَ أيضًا. لكن هذا قد يندرج تحت بند "الوعظ" وأنا –كُن على ثقة بذلك- لا أعظ!
ما أقصده هو الثمرة المعطوبة نفسها، تلك البائسة التي وجدت البقعة البيضاء تنتشر على سطحها، ولا تدري ماذا سيكون مصيرها، فإما تكون صاحبة الثمرة حريصة على عدم إلقاء أي شيء خوفًا من حرمانية إهدار النعمة، فتقوم باستئصال الجزء المصاب، وحينها قد تنجح العملية أو تفشل، فبعض الثمرات لا يجدي معها استئصال الجزء الخارجي المعطوب، لأن داخلها أصبح غير صالح للاستهلاك الآدمي أيضًا! أما لو كانت ربة البيت متوجسة بطبعها، فستلقي الثمرة المعطوبة فورًا، دون عمليات أو تساؤلات.
التعامل مع الثمرة المعطوبة أمرًا سهلاً، لكن ماذا عنّا نحن البشر؟ لا يمكننا أن نلقي بالجزء المعطوب في أقرب سلة قمامة دائمًا! لا نملك هذه الرفاهية للأسف.
ولسبب ما أشعر أن ربة البيت عزلتني عن بقية الثمرات، وجعلتني حبيسة صحن صغير، يُلقي عليه بقية مَن في المنزل نظرة اشمئناط ثم ينتقون ثمرة أخرى شهية وبلا عَطَب. فأبقى أنا وحدي، أزداد عطبًا على عطب، حتى تتذكر هي أنّه حان وقت الرأفة بحالي وإتخاذ قرار بشأني.. اسئتصال عطبي أو إلقائي في سلة القمامة.
مَن خضع لعملية جراحية، أو أصيب بكسر إحدى العظام، أو أي إصابة بليغة أخرى، يعلم أن هذا الجرح لا يندمل أبدًا، ومهما بدا متعافيًا سيصيبه بالألم من حين لآخر. حينما يكون مرهقًا أو مريضًا، أو حينما يحل البرد القارس. جروح ربما مرّ عليها ربع قرن، قد تؤلمك فجأة. أحب تسميه هذه الجروح بنقاط العطب، لا يمكن استئصالها، بل ربما تكون هي نفسها نتيجة لاستئصال ما. تلك النقاط التي تؤلم لأسباب مفاجئة وغير منطقية، والتي لا تقتنع بأنها شُفيت لسبب لا يدركه الجرح أو صاحبه. وبعد مواقف عدة، أدركت أن نقاط العطب هذه، ليست بالضرورة نتيجة لإصابة جسدية، بل قد تكون إصابة نفسية أو شعورية، وهذا لا يجعلها أقل تأثيرًا أو ألمًا!
 يقولون أنّك كلما كبرت ستزداد خبرتك بالحياة، ستزداد حدة بصيرتك، وتصبح أكثر صبرًا وحكمة، لكن ليس هذا ما ألاحظه، لسبب ما.. مرور السنوات عليّ يجعلني ازداد عطبًا.