الأربعاء، 28 أغسطس 2013

كانت لنا ..أوطان


وأبي قال مرة:
الذي ماله وطن
ماله في الثرى ضريح
ونهاني عن السفر
- محمود درويش 

أول أيام العيد، بعد مكالمة هاتفية قصيرة أجراها أبي .. سألني يتأكد من صحة اسم ابنة عمي، أهو بالميم أو النون ؟. محتارًا بين اسمين على نفس الوزن .. أجبته مع تساؤلات وخواطر بدأت تنخر في داخلي، متى آخر مرة رآها ؟ وأعصر ذاكرتي محاولة لمعرفة هل رآها أصلاً ؟
كيف يشعر وكل أهله بعيدين  إلى هذا الحد..إلى الحد الذي يصبح معه غير واثق من صحة الأسماء !
كيف يشعر وبلاده محرمة عليه منذ أكثر من ثلاثين عامـًا.. لم يقل وداعـًا لوالده أو والدته، ولم يتح له حتى أن يقرأ الفاتحة على قبرهما.
اتسائل ما فائدة جواز السفر الكحلي الأنيق الذي يحمل اسمه، إن لم يتح له دخول وطنه مجددًأ،
وأذكر نفسي أنه حتى أنا ربما تمر السنين قبل تمكني من رؤيتها ثانية ، وإن فعلت أي ركام وأي بؤس سيستقبلني هناك بعد كل ما حدث، حتى لو تم محيه على عجل ، أشباحه ستظل باقية لأبعد مما أتخيل !
ودومـًا سأبقى مندهشة كيف يجرؤ البعض على تسمية بلادنا هذه أوطانًا، كيف يصبح الوطن مزرعة خاصة لأحدهم، وكيف لو قررت الخراف أن تتمرد سيحرق كل ما فيها !
أليسَ للوطن معنىً أسمى ؟ هل الحنين له يكفي ؟ أم البكاء على أطلاله وتقديس ما بقى من رماده ؟
كيف يسمًّوه وطنـًا ونحن نعجز حتى عن تعديل حجرٍ واحد فيه..حتى لو أقنعونا بالعكس !
أي جراءة واتت ذاك الأب لينهاه عن السفر ؟ أم كان يقصد ثرى وطنك يتحرَّق لاحتواء ضريحك ؟
لو رأى ذاك الأب ما أراه الآن لعلم أن الوطن كله غدى الضريح..وأنّا لم يبقَ لنا سوى النحيب، وقبول العزاء !

أتبدو كلماتي السابقة مغرقة في الميلودراما ..و ربما من المناسب جعل الموسيقى التصويرية لها موال كاظم الساهر " يا دنيا أنتي الحرمتيني من أهلي " ..لتشعر بالحالة بشكل أفضل !
لا أحب الدراما الواقعية بطبعي ، لكن التغيير مفيد للصحة كما تعلم !

السبت، 24 أغسطس 2013

تــذكــر




تذكَّر كلما صلَّيت ليلاً
ملايينًا تلوك الصخرَ خُبزا.
على جسر الجراح مشت وتمشي
وتلبسُ جلدها وتموتُ عزَّا.
تذكَّر قبل أن تغفو على أى وسادة
أينام الليل من ذبحوا بلاده؟
أنا إن مِتُّ عزيزاً إنما موتي ولادة.
قلبي على جُرحِ الملائكةِ النوارس
إنى أراهم عائدين من المدارس
باست جبينهم المآذن والكنائس
كتبوا لكم هذا النداء
وطني جريحٌ خلف قضبان الحصار
فى كل يومٍ يسقط العشرات من أطفالنا
إلى متى هذا الدمار
جفَّت ضمائركم ما هزَّكم هذا النداء
هذا النداء رقت له حتى ملائكة السماء
جفَّت ضمائركم وما جفَّت دموع الأبرياء

،، 





غنى كاظم هذه الأغنية في أول حفلة دُعي لإحيائها في دبي، كانت الأولى بعد حرب الخليج،
 يومها طلب من الشاعر كريم العراقي كتابة أغنية عن أطفال العراق ،
 أنجز كريم الكلمات في الليلة السابقة للحفلة، ولحنها كاظم في الفجر قبل سفره ..
عاتبه الناس حينها بأن تلك حفلتك الأولى في الخليج بعد حصار طويل، 

لِمَ تغني شيئـًا كهذا، لِمَ لا تغني ما يبهج أكثر !! 


،،

سمعت تلك الأغنية من فترة قريبة، ولم أتمالك دموعي حينها، نفس التاريخ البائس يتكرر !
 لا أتحدث عن ملابسات الوضع ومدى اختلافه أو تماثله مع حصار العراق في التسعينات.
ما أجده متطابقـًا هنا  هو بؤس البسطاء والأطفال في أي حربٍ أو محنة ..
ما أجده مشابهـًا هو اللامبالاة المستفزة التي يرقب بها العالم المتحضر موت الأطفال وبؤسهم، 

عن ضمير من بيده الحل وكيف نجح في إسكاته، أو لنقل قتله والتمثيل بجثته ! ..
عن إحساس من ترك بلده حتى لا يرى أطفاله في وضع كهذا، 

وإحساس من منعه الفقر أو العزة من المغادرة ، 
ودومـًا ما يؤرقني سؤاله " أينامُ الليلَ من ذبحوا بلاده؟ " ؟؟؟

،،

الاثنين، 5 أغسطس 2013

عن البقاء هنا - 2

2 

أحلام مشوّشة




أنا أعترض على مَن يعش حياته دون أحلام، انتقد لا مبالاته الشنيعة لأنه ترك مقود حياته للريح..دومـًا أشجع فكرة البحث عن الأحلام وملاحقتها والمثابرة لتحقيقها ! 


لكن ما الحلم ؟ ما هي أبعاده؟ كيف تعرف أنك تسير في الطريق الصحيح أو إن كنت تسير في طريق آخر أصلاً..
الإجابة المنطقية: الحلم هو أكثر شيء تريد تحقيقه في هذا العالم وإن حققته ستموت مرتاحـًا وتتنهد هامسـًا آه لقد فعلتها وأديت ما عليّ قبل الموت ..فالأسطورة تقول أن حلمك هو سبب وجودك ها هنا، هو البصمة التي لا يستطع أحدًا غيرك وضعها في هذا العالم. وإ
ن نَقبتَ كما يَنبغي ستجدُ الإجابة بداخلك وهي ستدلك على الطريق


وكأن الأمر بهذه البساطة !
لا أتحدث هنا عن البساطة وسهولة الوصول للحلم فلا معنى له إن لم يكن صعبـًا تدفع له ثمنـًا غاليـًا، لكن أتحدث عن معرفتك لحلمك، عن ثقتك بأن هذا هو ما تريده.. عن قناعات تتغير كل يومٍ كالحرباء وكلما تغير ما حولها تغيرت.. أنت لا تتخلى عن حلمك لاقتناعك بصعوبة تحقيقه، بل تتخلى عنه لأنك تعترف لنفسك بصراحة صادمة "لا .. ليس هذا ما أريده ! ..ليس بعد اليوم ! " 

وقد تكون جبانـًا وتستمر في التعب حتى تصل لمكانٍ تخيلت أنه يعني لك الكثير يومـًا، لكنه الآن لا يتجاوز
حُلماً تمنيته لفترةٍ وأكملت الطريق لتحقيقه فقط لأن كرامتك أبت أن تستسلم وعنادك رفض الاعتراف بأن الأحلام أيضـًا تتغير وتتحول، وغالبا ما تكون زئبقية صعبة الحفظ إلا بتقنياتٍ خاصة ! 


رغم كل هذا ليس مبررًا أن نتخلى عن فكرة الإيمان بوجود الأحلام وقوتها وتأثيرها على حيواتنا.. لنبحث عن أحلامنا بشعور صادق وخيال خلّاق .. ستبدو لنا بعيدة غير واضحة لكن لنتذكر أن الأحلام التي نلاحقها ليست سرابـًا لكنها فقط صورة بعيدة (مغبشّة) بغبار الأيام ويومـًا تلو الآخر ستزداد وضوحـًا..لنأمل ذلك ونرى !




 30/7/2013

      ،،        ،،

عن البقاء هنا - 1

1

وجودك .. مغامرة !




مِن الصعب حقـًا إحصاء المرات التي وقفت فيها محدقةً في السماء بأمل، علّها تُلهمني الإجابة !
لا أدري كمّ التساؤلات الخرافية التي آتي بها كل مرة، وأعرض فيها  مدى حيرتي وقلة حيلتي اتجاه ما يحدث، لكن لو تحدثت عن تساؤل مشترك كان في عقلي ويطفو على السطح  دومـًا - كلما أغراني بياض الغيوم لملئه بعلامات الاستفهام والتعجب - سيكون سؤالًا واحدًا يتكرر كل مرة !
لِماذا أنا هُنا ؟ أدري أن الإجابة التي ستكون على لسان كل مَن أسأله، أن الله ما خلقنا إلا لنعبده، أعلم هذا، بالله عليك حتى لو لم أكن أعلم فقد حفظت الآية من فرط ما كررتموها على مسامعي، أريد ما بعد ذلك، هذا رأس الجواب  فقط يا سادة..الجملة الأولى، ألا يكملها أحدكم حتى النهاية، وحتى إن تلطف أحدكم وفعل .. أعلم عنادي وأدرك أني سأُشَكِكُ بصحة جوابٍ أتى مِن عقلٍ آخر، مِن وعي يرى بعيونٍ غير عيوني !

والمصيبة أن السؤال يأتي مع أصدقائه مِن نوعية " هُنالك حكمة مِن وجودك في هذا الزمن ؟ " فتكون إجابتي واجمة : ألا يوجد زمن أفضل قليلًا..ثم أكمل لنفسي أن كل الأزمنة دمويّة كئيبة هذا لا يتغير ! وسؤال آخر مثل " لِماذا هُنا ؟ لِمَ لم تكني فتاة أسبانية بشعر أحمر وعينين خضراوين ؟ أو فتاة من اليابان بعيون عسلية وشعر كستنائي ؟ ما الذي ألقاكِ ها هنا؟ ألم تجدي مكانـًا أفضل؟ .. لن تكون إجابتي إلا بنفس الوجوم :أنا لم أختر بالمناسبة .. وينساب في خاطري عدد المرات التي فكرت فيها أنني كائنٌ من كوكبٍ آخر أتى لاستكشاف كوكب الأرض، محى الكوكب الأم ذاكرته، حتى لا يتصرف بغرابة، لكن عقله اللاواعي ظل عارفـًا بالحقيقة، ولا يسمح للكائن بالتأقلم كما ينغي .. علماء كوكبي الأم، هذا لا يُغتفر.. عليكم إتقان عملكم إن كنتم قررتم إرسالي لهذا المنفى ! 

وحتى وجود إثبات أو نفي للنظرية الأخيرة، فأنا قررت البحث عن إجابة، عن سبب وجودي .. رغم كل ذاك الألم، رغم كل تلك الكوابيس المحيطة.. البحث عن جواب لا مفر منه، وريثما أجده، وجودي في حد ذاته مغامرة تُحسب لي، هذا بحاجة لشجاعةٍ وصبر، فليسَ مِن السهل أبدًا البقاء هنا ؟ ألا تتفق معي ؟؟

20/7/2013 

      ،،        ،،