الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

إعلان ولاء



لا .. لا تَشعر بالذنب يا سيدي !
فأنتَ لم تسرقنا، و تَحجب أمانينا ،
لم تَجثم على صدورنا، و تُحرق أراضينا ،
و تَبع كرامتنا بلا ثمن . .
في سوقِ النخاسة و تقدمنا قرابينـا !

،،
لا تَشعر بالذنبِ يا سيدي ، أبدًا !
أنتَ لم تَجعلنا أمةً بلا أحلام ،
أو شعبـًا بلا أوطان !
و لم تُنسنا – قهرًا – معنى الحُريَّة مُنذ أزمان !

،،
لا . . لا تَعتذر إن سفكتَ دَمنا . .
سهوًا أو بقصدٍ ،
ظُلمـــًا أو بعدلٍ . .
فأنتَ الأبُ الحنون ، و الأم الرؤوم !
أنتَ الصديقُ الوفي ، و القائد المَصون !
أنتَ كُلُّ شيءٍ فينا . . و نَحن دوُنكَ عدم !
،،
لا تَعتذر يا سيدي ،
أو تُفكر بالاعتذار . .
حتى لو جَعلت الأنهار دمـًا ، و الأرض جحيمــًا !
حتى لو قتلت أطفالاً ، و بقرت بُطونـًا !
ففي سبيل مجدك كل شيء يهون !
و الحقُ بُهتانٌ  تخليتَ عنّه سنينا !
،،
لا تستمع لمن عزّاك بالشعب ، و نعى الوطن !
فبكَ يا سيدي تنهض أمم !
خائنٌ يا سيدي كلُّ مَن ثار أو انتفض !
خائنٌ ، و الموت لكلِّ مَن اعترض  !

12/4/2011

 

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

قراءة .. سراج



سراج ~ حكاية عربية





نعيش حكاية عربية في جزيرة خيالية، تحبكها د.رضوى عاشور بمهارة و حنكة، و بأسلوبٍ بسيط المفردات عميق الفحوى، مُوجِع لما تمسه تلك الجزيرة مِن واقعنا.

تبدأ الرواية بـ آمنة الخبَّازة، التي تخشي البحر بعدما خطف زوجها، و والدها .. تَخشى البَحر رغم أن أرضها محوَّطه به في جزيرتها " غًرَّة بحر العرب "..
نعرف بعدها بعض الأشياء عن آمنة – غير رهاب البحر- نعرف قصة ابنها الذي اختفى على متن إحدى السفن تاركـًا إياها تنهشها الوحدة و يؤرقها القلق .. و بَين عمل الخبَّازات و حديثهن نعرف الكثير عن " غًرَّة بحر العرب" ، عن مَلِكها الهُمام و زوجته علياء بنت المُنذر، عن ملكة إنجلترا السَمينة التي وَزَنها السلطان ذهبـًا .. و هو فعلاً خراب بيوت .. فهي سمينة جدًا
!
،،

مَلِكٌ وأيُّ ملك !!


مِن أكثر الشخصيات التي فُرِدَ لها مساحة في الرواية للتعبير عن نفسها وبالتالي عن الجزيرة وأهلها التي أوقعها حظها العاثر في ملك كهذا.. الذي –ويالمحاسن الصدف وروعتها- يشابه معظم حُكامّنا العرب الأفاضل ..

<< كان يعرف وهو يوقع الصك أنه كالأحمق الذي يفتح للغريب بابه ويدعوه إلى عقر داره ولكن لم يكن باليد حيلة، ولا كان بمقدوره أن يقول لا ناشزة وقد انصاع غيره من حكام أكبر وأقوى .. >>

<< ..خرج السلطان إلى إحدى شرفات القلعة وشخص بعينيه إلى ساحل الجزيرة كان مهمومـًا منقبض القلب يفكر في ملكه المهدد ، حر أمواله ، هذه الجزيرة وأرضها وعبيدها واللؤلؤ في أعماق بحرها والعنبر الطافي على أمواجها . ملكه الموروث الحلال فكيف يحتفظ به ؟! >>

ترى نظرته المريضة للحكم .. يتعامل مع الأشخاص والأشياء كأنه إله !
وليس مجرد حاكم قادته خطوب الحياة لموضعه الحالي !
وتكرر الكاتبة رسم بقية الصورة القاتمة لملكٍ ظالمٍ وحكمه الغاشم بعقليته المريضة هذه .. فرغم أنه بلاده مهددة بخطر الاحتلال هو يتعامل مع الأمر كأنه سيخسر أحد أملاكه .. وليس وطنـًا !

<<لم يختل السلطان إلى نفسه إلا في ساعة متأخرة من الليل .. كان الضيق لا الغضب هو مايتملكه، ضيق خانق كأنما الهواء من حوله حديد، إنه الجحود يسد الفضاء من حوله ويثقل أنفاسه وصدره، بنت المحسن وأولاده وعبيده كلهم سواء يأكلهم الحسد، ويعمي بصيرتهم ويختم على قلوبهم فلا يبقى منها سوى رماد الجحود وحسرة الحقد .. >>

<< يهب بلا حساب ولا يزدادون إلا نكرانـًا للجميل يبشرونه بالولد فيشرح صدره ويُحمِّل عبيده الهدايا للوليد وأمه، يذهب إليها بنفسه ويحمل الرضيع بين ذراعيه، بشعر بخ صغيرًا بلا حول ولا قوة فينشر عليه جناح رحمته. ومنحهم نطفة الوجود ولحم الأكتاف والاسم والثروة والمكانة فما الذي أعطوه في المقابل ؟ .. >>

هذه الشخصية السوداء في الرواية وربما ستكرهـه أكثر من الإنجليز .. فعلى الأقل الإنجليز يفرضون سيطرتهم بالقوة لصالح المملكة وليس المَلِكة !!


،،

عمّار وتودًّد


شخصياتٌ أخرى تمر عليها الكاتبة سريعا .. لنرى كيف هي حياة عبيد الملك الجحودين حسب قوله ..
فنرى العجوز عمّار الذي << .. أصبح عبدًا متقاعدًا يجلس قرب ساحة المطبح أملاً في أن يبادله أحد الحديث .. يتمنى أن يستطع الذهاب إلى المزارع حبث جموع العبيد فيلتقي بهم ويمضي الوقت في صحبتهم ويلاعب صغارهم ويثرثر مع شيوخهم، ولكن ساقيه لم تعودا قادرتين على حمله لينزل التلة ويقطع الجزيرة ثم يعود يقطعها ليصعد .. >>

عمّار << خلقه الله جميل الوجه قوي البنية سمهري العود، وثقفه فهو سريع كالسهم ومثله صائب .. > >
ولكل هذه الميزات جعله السلطان خالد خادمه الشخصي وربى هو السلطان الحالي بيديه ، كان يحمله على اكتافه، يحكي له ما شاء من الحكايا ليكون رد جميل السلطان ألا يزوجه مَن أحب " مليحة " – والدة آمنة – ليظل وحيدًا بلا مؤنس حتى أرذل العمر .. بسبب قرار تعسفي بلا أسباب منطقية !!



نرى تودُّد –الخبّازة – وعشقها للكتب، كيف تسللت لدار القاضي لتسمعه يقص الحكايا لابنه، وكيف سرقت أحد هذه الكتب وعشقت ملمس وشكل السطور بلا حتى معرفة معناها ..
تودُّد التي أصبحت ترفض كل الراغبين بزواجها، لأنها تُريد متعلمًّا يعرف القراءة والكتابة، وهو الأمر الذي احتكره السلطان على أهله وأولاده، فلا امرأة تعرف القراءة سوى بنات السلطان !


،،

عاقبة الكبت ثورة


<< احذر العبيد يا نعمان هُم نصف سكان الجزيرة إن قاموا علينا ضاع ملكنا وضعنا، تصدّق عليهم مِن مالك ولكن إياك والتساهل معهم، إن تر بوادر تمرد لدى شباب من شبابهم فألق به في القبو عبرةً للآخربن، لا تنتظر أن يفعل شيئـًا بل اكسره قبل أن يتجاسر على الفكر، وهكذا تجتث الكبر من نفوسهم وتبث الخوف في قلوبهم وتضمن انصياعهم لسلطانك >> ولم يكذب نعمان خبرًا ونفذ الوصية بحماسٍ شديد << السلطان في القلعة والعبيد في المزارع لا يمّر أسبوع إلا ويقبضون على واحد من رجالهم ويلقون به في الأقبية ! >>
حتى ابن السلطان النابه الوحيد الذي أرسله لإنجلترا ليتعلم منهم بلا أن يتغير!
عاد له بحالٍ غير الحال واقترح عليه إلغاء الرقيق.. أن يعتقهم ويعملون لديه بأجر .. فكان مصيره هو الآخر ذاك القبو الكبير !


<<كان السر يتوّغل مع الصيادين في البحر، مع العبيد في المزارع، مع البحارة في رحلاتهم البعيدة، مع ذاكرة الشيوخ المقعدين بأبواب الدور ، مع النساء وهن يغنيين مهنينات النوم للصغاء .. >>
بركان الغضب انفجر ماردًا مشتعلاً بعد طول انتظار، ثورة على الظلم المقيم والحاكم الظالم .. ثورة تكللت بنهاية محبطة !
فالإنجليز تدخلوا – بكل تأكيد- لنصرة السلطان نعمان ..
<< لماذا لم يحسبوا حسابـًا للإنجليز ؟ لماذا لم ينتبه وينبههم إلى أن الإنجليز سيتدخلون لحماية السلطان ؟! >>
تساءل سعيدٌ بعد فوات الأوان .. !



تنتهي الرواية / الحكاية بآمنة كما بدأت بها ..
<< لم تعد تبكي جفت من عينيها الدموع ولم تعد تذهب لتخبز في مطبخ السلطان، ولو أرادت لما أطاعتها أناملها..
تقضي نهارها في الانتظار، فإذا ما سجى الليل وأتت النجوم تحدثت إليها، هذا النجم سعيد، وذاك حافظ ، وذلك عمّار، وتلك تودُّد، والنجم البعيد هناك محمود .. تحدث آمنة كل نجمٍ قليل على حد تم تحدثها مجتمعة، تعيد عليها الحكاية من أولها :
" في البدء كنتُ أخاف البحر كنتُ صغيرة خضراء أجهل الحياة ألثغ في الكلام، ولا أخاف إلا البحر ! ..
>>

لا أخفيكم .. صدمتني النهاية، لكنها للمنطقية أقرب، والعبيد في ثورتهم الغاشمة وكل هذا التخطيط .. لم يضعوا في حسبانهم احتمال تدخل الإنجليز، حتى سعيد الذي حضر قصفهم لللإسكندرية وهزيمة عرابي في صغره ..
أخطائهم هذا ؟ أم خطأ الإنجليز ؟ .. أم خطأ حاكم مريض المُلك ؟؟!


،،


منمنمات

منمقة الرواية، محبوكة بمهارة حقـًا .. في سيرها الؤيد من البداية إلى النهاية، تلقي في طريقهنا الكثير من المنمات عن الشخصيات عن الجزيرة وأهلها .. عن الحاكم وعبيده، عن سعيد وترحاله ورغم عدد الصفحات القليل إلا أنها جسدت لنا جزيرة من خيال ورسمت لنا شخوصها بدقة .. أوردت الصراعات والحيوات بين السطور، بأسلوبٍ بسيط بسرد حيادي بارد، لكنك تشعر بكل هذا وتستمتع به .. تحزن وتقلق مع آمنة ، تفرح وتتردد مع سعيد، تتمنى او تسمع الحكايا من عمّار!
سراج .. حكاية عربية تستحق القراءة =) !

،،

السبت، 1 سبتمبر 2012

بَرِيقٌ . . *



 
تنجذب الحشرات للضوء!
 إذا نظرت لمصباح في مكان تواجدت فيه لرأيت كيف تدور حوله ..
في طقوسٍ أشبه بالطوافِ المقدس !
أنا لا أرى البشر يختلفون كثيرًا عنها .. نحن نطارد الضوء.. البريق،
ولن أندهش إن طفنا حوله ..ولو بشكلٍ غير ملحوظ ! 


للبريق أنواع.. وهذه المرة أتحدث عن بريق " الصفات " !
< لطيف، جميلة، ذكية، وسيم، عبقري، جذّابة، حسّاس، رومانسيّة، لمّاح >
< غبي، حقير، منعدمة الإحساس، استغلالية، فاشل >
تناقض ستلاحظه في مشاعرك عند قراء السطر الأول والسطر الثاني..
ولا يحتاج الأمر لتركيز حتى تدرك كنه المشاعر الإيجابية في البداية والسلبية بعدها ..
للسطر الأول "وصفاته" بريق جذَاب مُغرٍ ولا أنكر أنا نفسي رغبتي في أن أتصف بها ..
وكذلك أيُ شخصٍ طبيعي !
ما يُقلقني ليسَ الرغبةُ في الاتصافِ بها، بل الهوَّة بين الاتصاف الظاهري
والتركيبة الشخصية الداخلية ..
                                          

فكرت يومــًا: ماذا أخسر أثتاء لُهاثي خلف أي من تلك الصفات البرّاقة ؟
 كم ابتعد عني ؟ ما حقيقتها أصلاً ؟
ما عمق هذه القشرة البرّاقة .. وكم منها يلامسني حتى القلب الحقيقي مني ؟
رُبّما تبدو كل تساؤلاتي بلاقيمة للبعض،
لكني أراها تؤثر على المرآة الداخلية للإنسان..مدى وضوحها وصدق انعكاسها ! 


ولا يقتصر الطواف حول الصفات البراقة فقط، بل حول الشخصيات البراقة كذلك ..
- وقد يكون هذا السبب أصلاً في رغبتنا لامتلاك هذه الصفات !-
يقلقني الأمر كثيرًا حينما أجد نفسي ألاحق أحد البراقين ..
- إلى حد أقرب للإدمان .. وبشعور بما امتزج بالحقد ! -
حتى أعود وأتوقف أمام تساؤلاتي عن مدى صدق هذا البريق ؟!
وهل وجودي بجوار البرّاقيين سيجعلني أعكس شيئـًا من البريق أنا أيضـًا ..
وإن عكست .. فهل سيكون هذا البريق من داخلي .. أم مجرد انعكاس لحظي !
يُريبني عشق البشر للبريق، رغم ما لهذا من محاسن ..
وأحيانـًا تحرقني عينيَّ من ملاحقة البريق وتأمله ..
إلى حد يجعلني أخشى عدم قدرتي على رؤيته يومـًا !!
وحينها تحضرني صورة الفراشة التي حرَّق الضوء جناحيها ! 

                                                   ،،  

                                                                                                                     تحت شعار : لا للبشريين ! .. يًتبع ..