الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

مرحبًا..أيها الوحش!!




"لا أستطيع التوقف..أنا خائف
لا يمكنني السيطرة على نفسي.. ماذا أفعل؟
أنظر لي.. تذكرني! " * 


تبدأ قصتنا مع "إيي هيون" عالم الجريمة العبقري وهو يستعرض صور جريمة قتل، وصلته الصور مع رسالة بريد إليكتروني، وفيها دلائل على مكان الجريمة التالية..وبين الصور أيضًا رمز يرتبط بماضيه، كانت هذه الرسالة بمثابة دعوة له حتى يترك وظيفته كدكتور جامعي في هارفارد ويعود لكوريا. 

وبعد لقاء-أقرب للكوميدي- مع فريق التحقيقات المسؤول عن هذه القضية، يقول لنا أنه عاد ليستأنف قصته، التي تلاشي بعضها بين تلافيف ذاكرته بعد حادث مقتل أبيه... يعود لمنزله القديم ويحكى لنا بداية القصة، التي بدأت كما تبدأ كل الحكايات، بالفتى وعائلته، وبالأحرى أبيه، كان أبوه الطبيب النفسي مسؤول عن التعامل مع المجرمين في السجن، وأحد أولئك المجرمين هو "إيي جون-يونج" ..المجرم الخطير، المشتبه به في عدة جرائم قتل..أو بالأحرى في قضايا اشتباه بالقتل، فالقاتل لم يُخلف جثة بعد ارتكاب جريمته، لكن.. وفي قضية سرقة مثيرة للريبة، وُجِد الدليل الذي أوقع به.
كان والد "هيون" هو المسؤول عن التعامل مع هذا المجرم، وفي إحدى مصادفات القدر دخل الطفل لغرفة نقاش المجرم مع والده، أثناء خروج والده المؤقت منها .. ليتبادل حوارًا هادىءً مع المجرم ! 


هيون:" أنا أعرفك.. لقد رأيت صورتك مع والدي
جون-يونج:  "هل أنا مخيف؟"
هيون: "أنتَ لست مخيفًا..لكني أشعر بالفضول." 
جون-يونج: "بشأن ماذا؟" 
هيون: "كيف أصبحت شخصًا من هذا النوع ؟" 
جون- يونج: "أنا؟ ... وأي نوع من الأشخاص أنا؟" 
هيون: امممم... شخصٌ مختلفٌ عن الآخرين؟ 


حينها يحدثه جون-يونج عن صغار البط، وصغار القردة! وعن الساعات أو السنوات الأولى في حياة الحيوانات أ والإنسان، والتي اسماها "الفترة الحاسمة" حيث يتبرمج الدماغ على معلومات معينة ليس من السهل تغييرها.
للحوار بقية أيضًا، فيها يخبر كل منهما سرًا عنه للأخر، ويختتمان اللقاء بوعدٍ - لم نعرفه وقتها- يعده المجرم للطفل.



في الدراما، جرائم قتل كثيرة، لأن  الدراما لن تكمل الحلقات الستة عشر إن ظلت الحبكة الأساسية هي التي تُسيّر الأحداث فقط، بعض هذه الجرائم تمت بصلة لـ "هيون" وقصته، وبعضها لا.. رغم ذلك لم أشعر بالملل أثناء المشاهدة، وربما يساعد على ذلك وجود بعض الرومانسية والمقاطع الكوميدية التي تخفف قليلاً من قتامة الأحداث.
<< رغم أني أحبها قاتمة تمامًا XD ! 

لكن المختلف بشـأن هذه الدراما هو كيف تناولت فكرة المجرم أو القاتل المتسلسل، فنحن هنا لسنا بصدد شخص تعرض لضغط ما فلم تتحمل أعصابه فذهب لينتقم ..يعميه غصبه ثم يندم على فعلته. ولن نرى أيضًا فكرة القاتل المتسلسل الذي خانته زوجته الشقراء، فذهب ليقتل كل الشقراوات الذي يلتقي بهن فيرتكب جريمته والزبد يسيل من شدقيه .. للجريمة المتسلسلة هنا تكنيك وأبعاد، للوحش الذي أنطلق يقتل "سنوات حاسمة" مثيرة للاهتمام، ومبدأ للقتل يكاد يقنعك بأنه ليس بذلك السوء!
لو توخينا الدقة فهناك في الدراما قاتلين لهما علاقة بالقصة الأساسية -أحدهما "جون-يونج"- ..وأعترف أني أحببت أحدهما، ولم أستطع كره الآخر! 


يكمل "جون- يونج" حديثه مع "هيون": هناك طفل وُلد جميلاً. وقال الآخرون :"يالجماله" .. "كم هو جميل"، فأصبح يرى نفسه جميلاً. وهناك آخرون أغبياء منذ ولادتهم.وأصبحوا أغبياءً لأن الآخرين دعوهم بالأغبياء. وأيضًا.. هناك مَن كانوا وحوشًا منذ ولادتهم، يراهم الناس وحوشًا، ويدعونهم وحوشًا، لذا أصبحوا وحوشًا. 
بماذا يدعوك والدك؟ كيف يراك؟ "

فهناك بعض الأشياء الغامضة التي تدور في منزل الطبيب النفسي، وطفليه الصغيرين..بعض الكائنات الصغيرة المقتولة، رسومات غريبة تميل للعدوانية هنا وهناك، والطبيب النفسي الذي يرى "هيون" متلبسًا بدفن جثة حيوان صغير. 





الدراما مليئة بالتشويق والأسئلة التي ستجيبها الأحداث المتسارعة نحو النهاية، لكني رأيت فيها أيضًا الكثير من التساؤلات عن الوحوش وكيف خُلقوا..ستجعلك الدراما تتساءل من جديد التساؤل الطفولي الذي طرحه "جون يونج" في الحلقة الأولى: لماذا يؤذي الناس الآخرين ؟؟  لكن أيضًا... لماذا لا يمكن لهم أن يؤذوا الآخرين؟"
ستجعلك تتساءل كيف كانت "السنوات الحاسمة" في طفولتك؟ وأي نوع من الوحوش بداخلك؟

وتتساءل هل الوحوش وحوش حقاً..أم يمكنك أن تلتقيهم مُرّحِبًا؟؟


* من أغنية الدراما "Remember" غناء "Dear Clould"



الاثنين، 7 سبتمبر 2015

رأيت الغربة ... "رأيت رام الله"





"الغريب هو الشخص الذي يجددُ تصريح إقامته. هو الذي يملأ النماذج ويشتري الدمغات والطوابع، هو الذي عليه أن يقدّمَ البراهين والإثباتات. هو الذي يسألونه دائمًا: من وين الأخ؟"
"هو الذي تنعطب علاقته بالأمكنة، يتعلق بها وينفر منها في الوقت نفسه." 


يحكي لنا الشاعر مريد البرغوثي عن عودته لزيارة "رام الله" بعد سنوات غربة طويلة، قاربت الثلاثون عامًا. ويبدأ حكايته بالوقت الذي قضاه منتظرًا قبل عبور الجسر المؤدي إلى الضفة الغربية. نصاحبه في زيارته لرام الله وما رافقها من رحلة داخلية عبر ذكرياته ومشاعره. 

"الغريب هو الذي يقول له اللطفاء من القوم: أنت في وطنك الثاني وبين أهلك. هو الذي يحتقرونه لأنه غريب، أو يتعاطفون معه لأنه غريب، والثانية أقسى من الأولى." 

**

ابتاعت أختي هذا الكتاب الصيف الماضي، وظل على لائحة الانتظار طويلاً، فرغم تشوقي لقراءته كنت أخشى البدء. وعندما قررت قراءته أخيرًا وأخذته معي هو وكتاب أو كتابين آخرين كلما حان وقت القراءة. ظل الكتاب يتنقل أسبوع أو أكثر دون قراءة. حتى أن أختي سألتني: لماذا يتنقل معكِ هكذا ولا تبدأين بقراءته! هل تعذبينه ؟!
والواقع أني كنت أخشى التماهي الشديد معه إن قرأته، كنت أخشى أن يغيّم على مشاعري بغيمة حزن وغربة تلوح في أفُقي الداخلي مؤخرًا. ولأن توقعاتي قلما تخيب، حدث ما خشيت، وتماهيت معه أيما تماهي، وتكاثفت غيوم الحزن والغربة بداخلي. لكن أظلم الكتاب إن قلت أن هذه الغيوم الوحيدة التي جعلها تتكاثف!
فالكاتب لا يحكي لك عن مأساة غربته راغبًا منك التعاطف معه، ولا يندب حكايته بأسلوب الرثاء للذات الذي يجعلك تعاف التفاعل مع التجربة، لكنه يكتب الصورة كاملةً كإنسان يمر بمحنه..ما رآه وشعر به، المحزن في الأمر، والمثير للسخرية فيه، الفواجع التي تمر بها فلطسين، ولحظات الفرح العابرة، اليأس الذي استفحل وكاد يبتلع القضية وبوارق الأمل التي تلوح أحيانًا.
ستشعر بثراء المشاعر الإنسانية أثناء قرأتك، ستفهم مجددًا وبوضوح أكبر معنى القول الشهير "شر البلية ما يُضحك".
وإن لم تكن ولدت في المنفى مثلي، سيجعلك ترى ملامح الغربة كاملةً.


- أولها شارة "مؤقتًا" التي ستعلقها على جُلّ ما تفعله في حياتك...

"منذ الـ 1967 وكل ما نفعله مؤقت و"إلى أن تتضح الأمور"...والأمور لم تتضح حتى الآن بعد ثلاثين سنة! حتى ما أفعله الآن ليس واضحًا لي، أنا مندفع باتجاهه ولا أحاكم اندفاعي. وهل يكون الاندفاع اندفاعًا إذا حاكمناه!
في نكبة 1948 لجأ اللاجئون إلى البلدان المجاورة كترتيب "مؤقت"..تركوا طبيخهم على النار آملين العودة بعد ساعات!
انتشروا في الخيام ومخيمات الزنك والصفيح والقش "مؤقتًا". حمل الفدائيون السلاح وحاربوا من عمان "مؤقتًا" ثم من بيروت "مؤقتًا"  ثم أقاموا في تونس والشام "مؤقتًا". وضعنا برامج مرحلية للتحرير "مؤقتًا".... قال كل منا لنفسه ولغيره "إلى أن تتضح الأمور." " 


- وثانيها أنك ستتعلم الكثير عن الحب الغيابي: 
"كيف غنيت لبلادي وأنا لا أعرفها؟ هل أستحق الشكر أم اللوم على أغانيّ؟ هل كنت أكذب قليلاً؟ كثيرًا؟ على نفسي؟ على الآخرين؟
أي حُب ونحن لا نعرف المحبوب؟ ثم لماذا لم نستطع الحفاظ الأغنية؟ ألأنّ تراب الواقع أقوى من سراب النشيد؟ أم لأن الأسطورة هبطت من قممها لهذا الزقاق الواقعي.
.... لكن هل بقي للغريب عن مكانة إلا هذا النوع من الحب الغيابي؟ هل بقي له إلا التشبث بالأغنية، مهما تشبثه مضحكًا أو مكلفًا؟."


- وثالثها أنّه حتى لو ابتسمت لك الحياة على سبيل التغيير، ستظل غصة الغربة في حلقك 
"أنت لا تبتهج فورًا بمجرد أن تضغط الحياة زرًا يدير دولاب الأحداث لصالحك. أنتَ لا تصل إلى نقطة البهجة المحلوم بها طويلاً عبر السنوات وأنت أنت. إن السنوات محمولة على كتفيك. تفعل فعلها البطيء دون أن تقرع لك أي أجراس."


- ورابعها أنّ "الغربة لا تكون واحدة، إنها دائمًا غُُربات.
غُربات تجتمع على صاحبها وتُغلق عليه الدائرة، يركض والدائرة تطوّقه. عن الوقع فيها يغترب المرء "في" أماكنه و"عن" أماكنه. أقصد في نفس الوقت.
يغترب عن ذكرياته فيحاول التشبث بها. فيتعالى على الراهن والعابر. إنّه يتعالى دون أن ينتبه إلى هشاشته الأكيدة، فيبدو أمام الناس هشًأ ومتعالًا. أقصد في الوقت نفسه."


وخامسها أنّك حتى عندما تعود للوطن سيتسلل لداخلك الشعور بالغربة.. 
"لم يكن من حقي الشعور بتلك الرعشة الخفيفة، لكني شعرت بها.
أردت فعلاً أن يعرفني أحد. حتى ذلك الشيخ الذي يسير ببطء وتأمل لم يعرفني ولم أعرفه. لم أسأل من يكون. لم أسأل.
سخيف أن تطرح في مسقط رأسك أسئلة السياح: من هذا وما هذا...إلخ.
أليس كذلك؟" 


وأنا أقلب صفحات الكتاب بين يديّالآن، رأيت الكثير مما يُقتبس، وراودتني نفسي على الكتابة أكثر، وبدأ عقلي يفكر بترتيب ما أعرض فيه  ما تبقى من حديثي وشعوري بشأن هذا الكتاب. ثم عدلت عن رأيي، هذا الكتاب تجربة إنسانيّة ثرية، عليك قرأته لتمر بها، وغالبًا ما ستراه فيها أنت غير ما رأيته أنا، وما سينحته الكتاب في تلافيف ذكرياتك قد لا يمت بصلة لما نحته في تلافيف ذكرياتي، لكننا سنرى نفس الصورة التي رسمها  لها حينما عاد ورأى رام الله. 


الجمعة، 4 سبتمبر 2015

إن كنت أحبه حقًا !








ببساطة ..أنا أحب الدراما، وأحب الموسيقى الكلاسيكية، لذا حينما يجتمع الاثنان أهيء نفسي لجرعة من الإلهام، أو على الأقل لمقطوعات جديدة سأسمعها وأتعرف عليها عبر الدراما.
الإلهام الذي أتحدث عنه قد يأتني من مشهدٍ قصير، ربما أعتبره ثمرة مشاهدتي لكل تلك الحلقات الطويلة.
أعلم أن رواية مشهد محدد ليس بالأمر الممتع، ولا يوف الدراما أو الممثلين حقهم، فالقارىء هنا ليس مُلمًا بخلفية الشخصيات والأحداث، لكن سأحاول إيصال الصورة حتى أصل للمشهد المعني. 


في دراما "Tomorrow's Cantabile"، تعرفت على عازف التشيلو اللطيف دائمًا، الذي يلمس عزفه شغاف قلوب الجمهور بشكل مبهر، وفوق كل هذا هو عبقري وطالب في معهد جوليارد العالمي.. من يتابع الدراما الكورية كثيرًا يعرف أن هناك شخصيات ترسمها السيناريست بحيث يستحيل ألا يحبها المشاهد، ذلك العازف كان أحد هذه الشخصيات، وككل الشخصيات التي يحبها المشاهد جدًا يجب أن تضع السيناريست اللمسة المأساويّة  المعتادة حتى تتلذذ برؤيتنا نعاني مع تلك الشخصية، فهي تحسب أن إبكاء المشاهد أحد المتطلبات الأساسية في صنعتها! عازف التشيلو -اللطيف دائمًا وأبدًا- يده مصابة، وعصب يده بحاجة لعملية جراحية حتى يتوقف الألم الدائم وتعود يده لطبيعتها، لكن بعد تلك الجراحة احتمالات عودته لعزف التشيلو ضعيفة جدًا! 
كان من المفترض أن يخضع لتلك الجراحة، لكنه بعد أن سمع بطلة الدراما تعزف إحدى المقطوعات ، رغب بأن يستطيع العزف بانسيابية مذهلة مثلها ، وأراد أن يقوم بآداء ثنائي معها، قام جاهدًا بإقناعها، والتدرب معها رغم الألم الشديد الذي يجتاحه كلما عزف.

ويوم الحفل، وحينما حان موعد البروفة النهائية قبل الحفل بساعات، راودت البطلة -وهي طالبة في معهد موسيقي- كل المخاوف القديمة التي تصاحبها كلما عزفت أمام جمهور..حينها رأى البطل أن إلغاء العزف الثنائي أمر محتوم، وذهب ليبلغ عازف التشيلو بذلك، ليفاجئ بإصراره الشديد على الآداء مهما كانت الظروف ، يستنكر البطل تغيُّر عازف التشيلو المفاجيء، وتلاشي لطفه المعتاد، ويطالبه أن يقنعها بلطف كما يفعل دومًا.. حينها يلاحظ أن اليد اليسرى للعازف ترتعش، ويتذكر موقف منذ بضعة أيام عندما رأى عازف التشيلو يتلوى ألمًا لمجرد أنه أبعد له يده ببعض القوة..

يسأله عن حال يده، التي تبدو غير مؤهلة للعزف أصلاً، عن نوع الإصابة ولماذا يتحامل على يدٍ متعبة فعلاً!
حسنًا، حسنًا.. سأترجم الحوار من المشهد حتى أضعكم في الصورة XD ! 

البطل: أنت لست في حالِ يسمح لك بالعزف..أليس كذلك؟
عازف التشيلو: يمكنني العزف! 
البطل: العزف الثنائي ملغي.
عازف التشيلو : أنت تبالغ ! لن تُدّّمر يدي بسبب آداء واحد! 
البطل: إن كنت لازلت تشعر بالألم حتى بعد تناول المسكنات فهذا يعني أن وضعك خطير.
  لن أدع ذلك يحدث. سأبلغ المعهد بالأمر. 

عازف التشيلو: لا تتدخل فيما لا يعنيك! سأعزف اليوم كما هو مخطط.
  بذلت الكثير حتى أستطيع التماسك حتى الآن!

عازف التشيلو: متى ..بدأت بالعزف على البيانو؟  ربما منذ نعومة أظافرك.
وأنا أيضًا... في ذكرياتي أنا دائمًا مع التشيلو.
قيل لي أني بدأت بتعلم العزف منذ كنت في الثالثة من عمري.
مضى عشرون عامًا على ذلك.
لو أجريت الجراحة على عصب يدي فاحتمال قدرتي على عزف التشيلو مجددًا تقارب الصفر.
وحتى لو عزفت مجددًا... كم سأستغرق من الوقت حتى استطيع العزف بنفس المهارة؟
آداء اليوم هو وداعي لصديق العشرين عامًا.
إنّه قداس موتى أقدمه لذلك الصديق. 

البطل: يالك مِن ثرثار!   قداس موتى؟  هذا يعني أن وضع يدك خطير حقًا!
لو أني مكانك لعالجت يدي أولاً بدلاً من الثرثرة!
لم أكن لأقوم بشيء يُجهد يد تتألم أصلاً!

عازف التشيلو: لا تقل ما تشاء لمجرد أنها ليست مشكلتك! 
-- --
البطل: ماذ؟ قداس موتى؟
أنت لم تعالج يدك حتى تقوم بهذا الآداء؟
لو أني مكانك لما فعلت ذلك أبدًا !
سأعزف ثانيةً حتى لو كان عليَّ أن أحصل على يدين جديدتين! 

عازف التشيلو: أحصل على يدين جديدتين؟
أعود لما كنت عليه في الثالثة من عمري، وابدأ من جديد؟


البطل: إن كنت أحبه حقًا.. ما كنت لأستسلم حتى لو كان عليَّ التعلم مع الأطفال.
أنتَ لا تملك الثقة لتبدأ من جديد..لهذا أنتَ تهرب مبتعدًا. 






ينتهي مشهدي الملهم هنا :D ! لكن سأخبركم أن البطلة تمالكت خوفها وذهبت للبروفة النهائية، ليعتذر عازف التشيلو عن تأخره عليها .. تشكره البطلة على عزف هذا الثنائي لأنه بداية جديدة لها .. بداية لكل ما هو آتٍ مهما كان. 
أثناء البروفة يتوقف عازف التشيلو عن العزف، متذكرًا كلمات البطل...ثم يلتفت معتذرًا لها عن أنانيته، لأنه كان يريد من آداء اليوم أن يكون قُداس موتى بينما تعتبره هي بدايةً لها.
غادر لأنه لم يرد تقديم قداس موتى لصديقه القديم، فهو
الآن يمتلك الشجاعة ليبدأ من جديد !


*** 


منذ بضعة أيام كنت أشاهد فيلمًا عن ثلاثة شباب في العشرين من عمرهم، كان أحد الشخصيات يتسائل في مندهشًا لماذا لا يتوقف الناس عن إخبارهم أن تلك السنوات هي أفضل سنوات العمر، فهم في حيرة من أمرهم والفوضى تضرب أطنابها في حياتهم، تتجاذب أطرافهم الأحلام البراقة تارة والواقع الأليم تارة أخرى... تساءل حينها أيضًا إن كان الناس يتحدثون عن وضع البشرة :D !  
< التي تكون في أحسن حالاتها في العشرينيات من العمر. 
المهم أن نفس الشخصية اهتدت إلى أن ما يقصده الناس هو الوقت والشجاعة اللذان يملكهما فتى العشرين مما يمكنه من الاستدارة في منتصف الطريق متى لاحظ أنه حاد عن ما يريد، ليعاود البدء مجددًا. 


وكما فعل صديقي العزيز عازف التشيلو، سأتملك الشجاعة لأبدأ مجددًا.
ربما عليّ قول ابدأ مجددًا في ماذا تحديدًا؟
حسنًا.. القائمة تطول.. تترأسها الدراسة والترجمة..ثم الكتابة والإلهام والموسيقى، الشغف والصداقة ...وحتى لو بدى ذلك مضحكًا الطهي موجود في القائمة XD ! 



*** 

وأنا أترجم الحوار بين البطل وعازف التشيلو استوقفتني عبارة " If I really like it"...
هل يقصد بها "like it" أحب أو رغب أو شاء، فأترجمها: إن كنت أرغب بذلك حقًا!
أم المقصود بها "أحب" و الـ "it" عائدة على الصديق : البيانو / التشيلو!
فأترجمها إن كنت أحبه حقًا..

ثم توقفت عن التساؤل، فالإلهام يريد إيقاعي في شرك الاختيار، هل أنا أحب ذلك؟ أم أرغب فيه؟
ربما الرغبة تبدو أقوى قليلًا ككلمة ..لكن حبي للشيء هو ما يولد رغبتي بفعله أو امتلاكه.
حسنًا أنا أحبها حقًا وأرغب فيها أيضًا! ... كل تلك الأشياء المذكورة في القائمة سأبدًا معها قصة صداقة جديدة :D !!



***