الاثنين، 11 مارس 2013

دوريان جراي - خير الجمال هو الجمال المحتمل






يتغنى البعض بجمال الروح الذي يفوق أهمية جمال الجسد ، و يثرثر آخرون عن أن الجمال ما هو إلا انعكاس لروح طاهرة .. و يكفر البقية بالمبدئين فلا يربط برأيهم هذا بذاك ..أبدًا !

                                                      ،،

كـ جمال آلهة الأوليمب


في مرسم بازيل تبدأ أحداث روايتنا كما تتشكل الخطوط الأولى لـ صورة / لوحة  دوريان جراي ، و قد بثها بازيل شغفه و فنه كما لم يفعل من قبل !
دوريان جراي الفتى الوسيم  غض النفس مفطور على الخير ..صديق بازيل الرسام الذي يعرفه يومها على هاري/اللورد هنري الذي يبهره جمال دوريان كما يفعل مع الجميع ، و يشعر بالفضول لرؤية  تأثير فلسفاته الغريبة على مثال مبهر كـ هذا ، و يبدأ باللعب على أوتار نفس دوريان .. أوقظ بداخله وحوش الفضول النهمة للحياة ، بعدما أثرَّ عليه بفلسفته الرنانة عن الحياة التي تكون أجمل حين تبحث على اللذة ، عن فلسفة " شفاء النفس عن طريق الحواس .. و شفاء الحواس عن طريق النفس " .. أثناء بث السموم في نفس الفتى أنهى بازيل الصورة ، و صُعِق دوريان بما رأى فقد بهرته روعتها .. و أفاق لأول مرة على حقيقة جماله الآثر و تأثيره الأكيد على كل من حوله ..
فما كان من دوريان بعد الانبهار بجماله  إلا الذعر من فقده .. و أراد لو يمزق اللوحة  فجمالها خالد بعكس جماله ،
تمنى بمرارة أن تحمل هذه الصورة  كل آثار الزمان بدلاً منه .. و كما الأساطير ، تتحقق أمنيته !

                                                       ،،


هي صورة كل الأحزان


قد تبدو أسطورية / فانتازية أقرب للسخف لو صيغت بشكل مختلف ، لكن أسلوب " أوسكار وايلد " شيق إلى حد لم أتوقعه .. لن تملك أنت ذاتك - حين القراءة – القدرة على الفكاك من جمال دوريان الآثر، و ابتسامته الدائمة و خلقه الدمث ، بازيل كان محقـًا حين وجد فيه غاية إلهامه و المثال الكامل لفنه ..
لكن هاري و رغبته في تحليل و مراقبة هذا الجمال يحى بفلسفته كان له عظيم الأثر على نفسٍ غضة كهذه ..
و منحدرالسقوط خطا دوريان نحوه حين انبهر بجماله !
" بدأ يتذوق القبيح لأنه يقترب بالإنسان من الواقع بعد أن كان ينكر القبيح لأنه يقترب بالإنسان من الواقع ، بل وجد أن القبح هو الحقيقة الوحيدة في الحياة ، فالألفاظ النابية التي يسمعها في كل شِجار ، و البؤر النكراء، و فظاظة الحياة المضطربة و قسوتها، و خسة اللصوص و وضاعة الأوباش و المنبوذين، كل هذه بدت له أصدق من النماذج الجميلة التي يختلقها الفن اختلاقـًا ! "
فـ دوريان أصبح نهمًا لكل لذة ، كان يجد في نفسه متعة بأن يختار من أصدقاءه أشرفهم و أذكاهم ثم يجرهم لهاوية الرذيلة ، أصبح دوريان صنيعة إبليس حقـًا .. و إلى حدٍ مخيف !
" كان يجد في الشر أحيانـًا ما يحقق فكرته عن الجمال " !!
ستظل فصولاً طويلة مشدوهـًا بتغيّر دوريان، حائرًا مِن فلسفات هاري السامَّة ، مذعورًا مِن المسخ الذي أضحت عليه اللوحة التي رسمها بازيل .. فـ آية الجمال و الفن أصبحت جيفة مثيرة للاشمئزاز !
فكل ذنب اقترفه دوريان خطَّت بشاعته أثرها على اللوحة .

                                                  ،،


هي وجه بلا قلب


" و من ظلال الليل تخرج حقائب النهار التي نعرفها فنستأنف الحياة التي تركناها، و يغمرنا إحساس بوجوب المضي فيما تعودنا من أعمال رتيبة ومملة، أو نرجو أن نفتح الأجفان ذات صباح فنجد عالمـًا ألوانه زاهية و أشكاله جديدة و أسراره على غير ماألفنا من أسرار، عالمـًا لا أثر فيه للماضي و أو لذكراه .. "

وبعد الشغف بكل ما هو مادي و غريب ، وبعد الركض كمن يركض على صهوة جواد بلا زمام ..
وجد دوريان حياته بلا معنى ، شعر أنه عبءٌ على نفسه .. أن ماضيه و ذنوبه تثقله، و لم يحتمل أن يلومه أي شخصٍ  على  ذلك .. لم يطق أن يأتي بازيل يعظه سائلاً إيه الاعتراف بذنوبه و مِن ثم التوبة لله، بعدما رأى المسخ الذي أصبحت عليه لوحة دوريان الباهرة ..
لم يسمح دوريان أن يوقظ أحدهم ضميره .. و ما أثار فيه حديث بازيل إلا بغضـًا كاسحـًا جعله يقتل بازيل في لحظة جنون !

" هذه الجريمة كانت كابوسـًا لابد من محوه مِن سجل الذكريات، هذه الجريمة كانت شبحـًا مزعجـًا و ما يزال قائمـًا
لابد أن ينام نومـًا أكيدًا أو يختنق بحبل النسيان و إلا خنق صاحبه " !
سيقتل دوريان .. أي شيء يذكره ببشاعة ما يفعل، و بعد محاولة فاشلة للعودة إلا براءة النفس الطاهرة .. أثار جنونه ألا تقّدر الصورة محاولته هذه .. و قتل مرة أخيرة ، طعن الصورة، التي تنضح بروحه .. فمات !

                                                  ،، 


أوسكار وايلد .. عبقرية فنان

مَن لم يقرأ الرواية بتفاصيلها –التي أغفلت معظمها- لن يشعر بمدى جمالها.. و رغم الكلاسيكية الأقرب لقصص الأطفال و حكايا الأساطير – في أمر ارتباط روح دوريان بالصورة – إلا أن الرواية صيغت بعبقرية أدبية حقـًا ،
و أكثر ما يثير انبهاري و إعجابي هذه العبقرية التي وجدتها في الرواية ..
فالحبكة محكمة رغم بساطتها، تسلسل الأحداث مشوق جدًا رغم إغراقه بالتفاصيل ..
و شيء آخر راقني جدًا و جعل الرواية تنبض بالحياة ألا وهو جوهرية الحوار فيها، فمعظم أحداث الرواية نعرفها خلال الحوار أو المنولوج الداخلي، وقلمّا نجد سردًا مطوّلاً.. و الحوار دومـًا ما يكون شيقـًا على لسان الشخصيات التي لا تقل مهارة إتقان رسمها عن كل ما ذكرت .. فالشخصيات المحورية بتنوعها و ثرائها الإنساني/النفسي مميز إلى حدٍ مثير ستعيش مع شخصية دوريان المركبة، شخصية هاري الغريبة المتفلسفة و شخصية بازيل بعبقريته الفنية و براءته حد البغاء .. التي جمعت بالقش و النار معـًا ..فاحترق دوريان بجماله !     

                                                   ،،

هناك تعليق واحد:

  1. * خير الجمال هو الجمال المحتمل < تميم البرغوثي
    * هي صورة كل الأحزان ، هي وجه بلا قلب < شكسبير
    * الترجمة لدار سفينكس للنشر

    ردحذف