الثلاثاء، 11 فبراير 2014

زرنيخ!

مَن شاهد دراما بتهوفن فيروس، قد يتذكر هذا المشهد، الذي أراه يمثل فلسفة حياتيّة تؤثر علينا..
فالمايسترو الذي لا يعجبه عزف المحترفين عادةً، لم يطق صبرًا على تحمل فرقة مِن الهواة

" -  دو-ري-مي: ألا تعتقد أن أعضاء الفرقة الموسيقيّة جميلون، بالنسبة لهم الموسيقى شيء غاية في الصعوبة لكنهم لازالو ...


- مايسترو كانج: اعزفي، مَن يمعنكِ؟ ولكن ليس على خشبة المسرح، اعزفي في أحد أركان بيتك.وإذا لم يعجبكِ ذلك بإمكانكِ عزف الموسيقى في الفناء، أو انضمي لفرقة غنائية..لماذا عليهم الأداء على المسرح ؟ هذا غرور!

- دو-ري-مي: ولكن لا نستطيع التخلي عن ذلك، فنحن نملك فرصة نادرة ...
- مايسترو كانج: لا يوجد شيء لا تستطيعين التخلي عنه، عليكِ أن تملكي الشجاعة للتعرف على مستواكِ، نعم هذا مستواي، لهذا لا أستطيع أن أكون نجمة، وحتى عندما أموت وأبعث مرة أخرى، أستطيع فقط أن أكون ضمن المستمعين، واستمعي إلى الحفلات المشهورة لتقولي "أووه، هذا ما يجب أن تكون عليه الأوركسترا"
لماذا عليكم التطوع بأنفسكم مادام هناك أشخاص جيدين فعلاً في مجال الموسيقى.
وُجِدت الموسيقى الكلاسيكية للأرستقراطيين. هل تعتقدين أن هذا سيتغير مع مرور الزمن؟

- دو-ري-مي: نعم...نحن أشخاص مثيرون للشفقة، بلا وقت أو مال أو قدرات..إذًا هل يجب علينا أن نذهب ونموت ؟أيجب ألا ينخرط العامة في الفن...هل وضع أحدهم تلك القوانين؟ ...العامة؟ الأرستقراطيون؟ هل كنت تعلم أن موتسارت كان عبدًا منذ ولادته؟
تبعًا لقوانينكِ فإن "موتسارت" كان عليه أن يحرث الأرض ويحلب الأبقار، أو يمسك بالجرذان ليكسب عيشه. لو كنت مايسترو حينها، كانت لتُدفن الكثير من المواهب الموسيقيّة. "

لسببٍ ما ترك هذا المشهد أثرًا بداخلي، حتى أني لازلت أذكره بعد مرور سنوات على مشاهدتي للدراما، ربما لأن معظم الناس لازالوا يفكرون ويتصرفون كهذا المايسترو، ولازالت الدنيا تحدد مجالات ومساحات محددة لكل شخص، فهذا لا يمكنه دخول هذا المجال أو ذاك، بل أراهم يقصرون إمكانيات النجاح أوالإنجاز على أشخاصٍ بأعينهم، فبعض الناس يستحق النجاح وبعضهم ستُحال حياته جحيمًا إن حاول !
وبعد هذا يأتي كلام الناس، هذا فعل لكن ذاك لم يقدر، هذا نجح، وذاك كان أكبر فاشل في تاريخ الكوكب، يعطون أنفسهم الحق لنقد الآخر، لوضعه في حيز ما أنزل الله به مِن سلطان، يصنفونه ثم ينتقدونه ويعيّرونه بفشله، وأنهي القائمة الطويلة بالمقارنة، التي أراها عبثية جدًا، وخالية مِن كل منطق، فالمرء لا يدرك ظروف غيره، لا يدرك أي بيئة نشأ فيها، أي ظروف واجه، أو ما المشاكل التي يتعثر بها في طريقه.
هُم يريدونا أن نستمتع بأحلامنا مع أنفسنا، فلأكن مَن أكون في غرفتي فقط، لكن لا يحق لي أن أصعد على خشبة الحياة لأؤدي دورًا ما دون موافقة الجميع ودون الخضوع للمتطلبات العرفية الصارمة!


لسببٍ مجهول مجتمعنا يرى النجاح أو تحقيق الأحلام مشروطًا بقائمة من المتطلبات تختلف مِن شخص لآخر، فعليه أن يكون عبقريًا، أو بجمال فينوس أو يمتلك مال قارون، هناك شروط لتُفتح البوابة السحرية لتحقيق ما يريد، وإلا فليذهب لأقرب جحيم، وواجبهم حينها هو التلذذ برؤيته يتلظى هُناك.

بعد كل هذا، لا أستغرب إن كان ساليري قد وضع الزرنيخ لموتسارت حقًا!