كان منزل جدتي القديم به حديقة، أو كما
يسمونها في سوريا "أرض دار"، وهي تختلف نوعًا عن الحديقة كما اعتدنا
عليها، فبعد الخروج من المنزل ستجد باحة واسعة وبعدها تبدأ منطقة الطين التي تحوي
المزروعات والشجر. قضيت في تلك الحديقة الكثير من أجمل أيام طفولتي، كنت أحب
الاستيقاظ على صوت الطيور يوميًا، لأن شجرة التين العملاقة كانت مأوى لمئات
الطيور، وأحبها مساءً حينما تداعبنا نسمات الصيف، فصيف سوريا وحمص بالتحديد ليس
شديد الحرارة والرطوبة كصيف القاهرة.
في تلك الحديقة كان هناك كائن ما، لا أدري
إلى أي فصيلة ينتمي، لكنه قريب جدًا من الدود، كانت حشرة سوداء اللون، تمشي ببطء
شديد كالدودة، وإذا ما حاولت دهسها أو حتى شعرت باقترابك منها تتقوقع! أجل حرفيًا
تتقوقع، أو تتكوّر أو سمّها ما تشاء، فهى تتحول إلى كرة مكتملة شديدة التماسك، حتى
أنه يصعب التصديق أن تلك الدودة تحولت إلى هذه الكرة! والحقيقة أني أكره الحشرات
جدًا، وأعاني حالة تقارب الفوبيا منها، وكلما رأيت حشرة يبدأ جسمي بالشعور بالحكة
وكأن الحشرات هاجمتني واجتاحت أسفل جلدي! لكن هذه الحشرة لم تجعلني أشعر بهذا،
جعلتني أجلس وأتأملها منبهرة! كان الصغار من أقاربي كلما وجدوا واحدة ذهبوا
ليدهسوها أو بالأحرى ليحاولوا دهسها حتى تتكور، فهم يستمتعون باللعبة، وكنت أنا
أقف بصمت ودون حركة حتى أراها تعود لتفرد نفسها من جديد وتمشي كأنها لم تكن كرة
منذ ثوان!
كنا نكرر اللعبة كثيرًا معها، حتى أني أشفق
عليها الآن من مدى ساديتنا ونحن صغار، فكلما فردت نفسها يهاجمها أحدنا لتتكور من
جديد! المشكلة الآن أني لا أملك أدنى فكرة عن الاسم العلمي لهذه الحشرة سواء
باللغة العربية أو اللغة الإنجليزية. كل ما أعرفه عنها أنها تمشي وتتكور، واسمها
المعتمد في سوريا هو "أم علي الدعبلي"!! واضح أن القسم الثاني من الاسم
أتي من قدرتها على "التدعبل" أي التكوّر :D ! أما عن القسم الأول فلم تسعفني قدراتي على
الاستنتاج على معرفة سبب تسميتها به. لا أدري ما الذي ذكرني بها منذ بضعة أيام،
ربما لأني أتقوقع وأتكوّر مثلها، كلما شعرت بخطرِ ما، وأتكوّر كلما انزعجت، ربما
لأني أشعر أن التكوّر سيجعل دهسي أكثر صعوبة كحال المسكينة أم علي الدعبلي. لسبب
ما أشعر بأن خطوب الدنيا تعاملني كما كنا نعاملها. تنتظر أن انتهي من تقوقعي وكلما
بدأت بالمشي تعود لمحاولة دهسي مجددًا، لأتكور وتقف هي لتتأملني وتتسلى على تقوقعي
ثم محاولتي لفرد نفسي. وأنا أتخيل هذه الصورة أتت صورة مضحكة أخرى لخيالي وهي أن
تلك الخطوب شبيهة بالعمالقة في أنمي Attack on Titan لها أطوال وأشكال وطبائع مختلفة، بعضها غبي لا
يفهم، وبعضها يحمل ذكاء البشر وشرورهم. ولسبب ما أيضًا تذكرت إحدى المشاهد التي
حُبس فيها بعض الجنود في بناية ما، وحينما اقترب العمالقة قرر أحدهم الانتحار
مفضلاً الموت على مواجهة العمالقة وهو أعزل.
المفترض أن تلك الصورة الأخيرة تجعلني أشعر بالبؤس وقلة الحيلة لكنها جعلتني أضحك
بشدة، ولا أقول هذا لأجعلك تؤكد ظنونك باختلال قواي العقلية، لكن لأن شكل أولئك
العمالقة مضحك! كل من تابع الأنمي بالتأكيد يدرك أن شكلهم مضحك، ومهما كان المشهد
مأساوي وأيًا مَن كان الشخص البائس الذي يُأكل يبقى شكلهم مضحك !!
انظر لهذه الصور مثلاً:
أتمنى أن أضحك هكذا كلما خرجت من حالة تقوقع
ورأيت خطبًا عملاقًا يحاول التهامي، سأحاول تخيله كهذه العمالقة المرحة مبهجة
الشكل ربما يهوّن هذا من سوء الموقف. من الأفضل أن يأكلونني وأنا أضحك بهستيريا
على أشكالهم العجيبة!
"بين
المكتبات وأصحابها جدل حاد برغم صمته، مرير برغم حرارته، يومًا ما ستقف أمام ما
دفعت فيه دم قلبك من كتب لتسأل نفسك هل سيأتي اليوم الذي تنهي فيه قراءة كل هذه
الكتب؟ قبل أن تجيب ستباغتك نفسك بسؤال ألعن وأضل "هل تتذكر أساسًا ما قرأته
من كتب لكي يشغلك همُّ ما لم تقرأه؟"، سؤال مضني ممض مرير موجع، كنت أظن أنني
وحدي الذي أعاني من وطأته، معتقدًا أنني دون غيري أحمل ذاكرة رديئة التجميع لا
تنشط إلا في النسيان، نسيان الكتب التي لم أرد يومًا أن أنساها."
- بلال فضل، في
أحضان الكتب.
كانت هذه الفقرة
في بداية مقال بعنوان " حتى لا تنسانا الكتب!" ذلك المقال الذي
عنى لي الكثير كما استنتج كاتبه في أول سطرين منه. فبيني وبين مكتبتي هذا الجدل
الصامت. والواقع أني لست بحاجة لأقف أمامها حتى يبدأ هذا الجدل، فمكتبتي أمام
سريري بالضبط، أو لنقل جزءًا منها يقع في رفين مكتظين بالكتب أمام سريري، وفي
مستوى عيني فتكون من أول الأشياء التي أراها ، كلما حُييت من الموتى الصغرى
يوميًا. فأنا أيضًا أنظر لها واتساءل ما الذي أذكره من كل هذه الكتب؟ ما الذي
استفدته منها ؟ هل أصبحت مَن أريد أن أكون بفضلها؟ هل تحسنت حياتي بعد قراءتها؟ هل
أصبحت حكيمة زماني أخيرًا بعد ما كنت أقضي جل وقت فراغي في القراءة ولا شيء سواها.
إن لم تكن قد فعلت هذا فما فائدتها إذًا؟
مررت بفترة من حياتي
شعرت فيها بقلة الرغبة في القراءة، بقلة فائدتها وتأثيرها بي، حينها كنت أقول أن
الكتب لم تفدني بشيء وأني "كمثل الحمار يحمل أسفارًا". اقرأ ولا زلت لا
أفقه شيئًا في هذه الدنيا. حتى استمالني شغفي بالكتب مجددًا، وعدت للقراءة، وأنا
أقنع نفسي بأن تلك الكتب أثرت بي بالتأكيد حتى لو كنت لا ألاحظ ذلك بشكل مباشر،
حتى إن بقي ذلك التأثير في عقلي اللاواعي . كل تلك الحيوات التي قرأتها وخبرتها بسبب
الكتب لم تكن مجرد ثرثرة فارغة لم تغنِ تجربتي الشخصية.
في المقال يتحدث بلال
فضل عن مقال للكاتب الألماني "باتريك زوسكيند" صاحب الرواية الشهيرة
"العطر"، والتي لم أقرأ له سواها و أجزاء من المقال الذي اقتبسه بلال
ليحدثنا عن الأمر، وأنا جدًا ممتنة لأنه فعل.
في المقال يحكي
زوسكيند أنه اختار كتابًا عشوائيًا من مكتبته، وبدأ في قراءته واستمتع أيما
استمتاع بذلك، وأمسك بالقلم الرصاص ليضع خطوطًا تحت ما أعجبه وليكتب بعض الملاحظات
مع وصف جيد جدًا! ليكتشف أن الوصف موجود وكذلك الملاحظات، وكلها بخطه، رغم أنه لا
يذكر قراءته لذلك الكتاب من قبل!
"هنا أشعر
بانقباض مجهول، لقد استولى عليَّ المرض القديم من جديد، فقدان الذاكرة الأدبية،
الفقدان الكلي، وتغمرني موجة من الاستسلام للقدر لأتساءل عن جدوى كل السعي إلى
المعرفة، السعي عمومًا، لماذا نقرأ إذن، لماذا أقرأ مثلاً هذا الكتاب من جديد، إذا
كنت أعرف أني لن أتذكر شيئًا منه على الإطلاق بعد قليل، لماذا أفعل شيئًا على
الإطلاق، إذا كان كل شيء سيضيع، لماذا أعيش إذا كنت سأموت، أغلق الكتاب الجميل،
أنهض وأتوجه إلى رفوف المكتبة كالمنهار، كالمعذب، وأدس الكتاب بين صفوف مجلدات
الكتب الأخرى المجهولة، الشاملة، والمنسية.
.....
أجلس على كرسي مكتبي.
عار. فضيحة. أستطيع القراءة منذ ثلاثين عامًا وقرأت، إن لم يكن الكثير، إلا أني
قرأت بعض الكتب وكل ما تبقى منها هو ذكرى ضعيفة جدًا، عن شخص ما يطلق النار على
نفسه من مسدس من المجلد الثاني من رواية يبلغ عدد صفحاتها الألف. هل قرأت ثلاثين
عامًا عبثًا. آلاف ساعات طفولتي، شبابي وكهولتي أمضيتها في القراءة ولم أحتفظ منها
إلا بنسيان شامل، ولو أن هذه الكارثة تضمحل، لا على العكس إنها تسوء، إذا قرأت
اليوم كتابًا أنسى بدايته قبل أن أصل إلى نهايته. أحيانًا لا تكفي قوة الذاكرة
لمتابعة مطالعة صفحة واحدة، وهكذا تطلع روحي فقرة فقرة، جملة جملة، وقريبًا سأصل
إلى حد لا أفطن فيه بوعي على الكاميرات المفردة التي تتدفق من ظلام نص يزداد غرابة
عليّ، تتوهج في لحظة القراءة كمذنبات لتهوي للحال في تيار نهر النسيان المعتم.
"
- باتريك زوسكيند.
منذ يضعة أسابيع
أخبرتني صديقتي أن رواية "بعيدًا عن الناس" ستتحول إلى فيلم، قلت لها أن
الاسم يبدو مألوفًا إلى حد ما، لكني لم أقرأها، فقالت لي أني قرأتها بالتأكيد !
تفاجئت، خاصةً وأني أتفاخر دومًا بذاكرتي القوية! ذهبت للـجود ريدز، ووجدت بالفعل أني
قرأتها منذ عام أو اثنين، ولولا أني أذكر صورة الغلاف لقلت أني ارتكبت خطأ ما
ووضعتها في رف ما قرأت وليس في رف ما أريد قراءته. بعدها بقليل تذكرت شيئًا من
القصة العامة للرواية. لكن الموقف نفسه أصابني بشيء من الرعب، سرعة نسياني لما
قرأت تزداد طرديَا مع مرور السنوات، ومع كثرة ما أقرأ. حينها قلت أني يجب أن أكتب
أكثر عمّا أقرأ ولو بضعة سطور أكتب فيها انطباعي العام عن الكتاب أو العمل الأدبي.
وهذا ما يتحدث عنه
زوسكينند في مقاله ..
" ...عليك
ألا تستسلم لفقدان الذاكرة المهول هذا، عليك أن تصمد بكل قوة في وجه سيل نهر
النسيان، عليك ألا تغرق كليًا في نص ما، بل عليك أن ترتفع فوقه بوعي واضح، ناقد،
عليك أن تستخلص منه أفكارًا، أن تدون ما يذكرك به، أن تقوم بتدريب الذاكرة،
وبكلمة، وهنا أقتبس من قصيدة مشهورة، سقط اسمها واسم مؤلفها من ذاكرتي في هذه
اللحظة، لكن سطرها الأخير محفور في ذاكرتي كإملاء معنوي دائم لا تمحوه الأيام، جاء
فيه: "عليك أن... عليك أن... آه، مصيبة، الآن نسيت الكلمات، لكن ليس هذا
موضوعنا، فمعناها حاضر لي فعلا، كان معناها تقريبًا عليك أن تغير حياتك".
أحببت المفارقة التي
أنهى بها المقال، فحتى بيت الشعر ذلك جرفه سيل النسيان من الذاكرة. لكني سأحاول
قدر استطاعتي تنفيذ وصيته، وسأدرب ذاكرتي وأستخلص أفكارًا، وأكتب عمّا قرأت. ربما
حينها ستتغير حياتي فعلاً ! لاحظت وأنا أكتب هذه التدوينة، أن هذه مقال تتحدث عن مقال يتحدث عن مقال! بدا لي الأمر غريبًا، لكني تغاضيت عنه لأنه يتفق مع محاولتي لتطبيق التغييرات الجديدة!
***
بمناسبة
الكتب وكثرة القراءة. منذ بضعة أسابيع كنت أتصفح موقع الـ Goodreads ، حينما رأيت إحدى من أتابعهن عليه أعجبت بتحدي عام 2015 لشخص آخر،
كان ذلك الشخص قد قرأ أكثر من 900 كتاب هذا العام، وكاد يصل للألف فعلاً!
ووجدت
تعليقات الانبهار على هذا الإنجاز العظيم! حتى أنا انبهرت للوهلة الأولى، ثم قلت
لا يمكن أن تنجز كل هذا القدر من القراءة إلا لو كانت تقرأ روايات جيب أو pop art ، أو كوميكس أو
مانجا، أو كانت تسمع كتب صوتية قصيرة معظم الوقت. وفتحت قائمة كتب ذلك التحدى
لأتأكد من صحة استنتاجي ولأرضي فضولي الشديد بالتأكيد، وإذا بمعظم الروايات قصيرة
تكاد لا تصل لمائتين صفحة، واستنتجت من الغلافات الأولى أنه بوب أرت رومانسي
فعلاً، حتى أتت بقية الأغلفة ليرتفع حاجباي وأقول بصوت لا أدري إن كان
داخليًا أم مسموعًا: !!Yaoi دخلت لأعرف أكثر عن صاحبة الملف فإذا بها
تعرف عن نفسها بأنها أم في الثلانيات والاعتناء بابنها ذي الستة عشر ربيعًا يلتهم
معظم وقتها. حينها ازدادت دهشتي وقال لسان حالي: لك ابن بهذا السن وتقرأين روايات
كهذه؟ هل تأخذينها من ابنك ورفاقه مثلاً أم ماذا؟؟!
غادرت
الموقع وأنا اذكر نفسي أن للناس فيما يعشقون مذاهب، ورددت المثل الذي تحب والدتي
العزيزة استخدامه كثيرًا،
"مو كل مين صف الصواني قال أنا
حلواني!!" ولا كل من قرأ ألف كتاب أصبح حكيم زمانه!.
بعد انتهاء نوفمبر كنت
أفكر بالتوقف عن كتابة هذه التدوينات، أعني تدوينات الثرثرة التي لا تحمل رأيًا عن
كتابٍ ما أو حتى فيلم ما، لكنها تحوي مجرد خواطر غريبة أو فلسفات عجيبة وردت
ببالي، وكأنّ هناك من يكترث بشأنها!
ورأيت أن المكان
المناسب لهذه الثرثرة هو يومياتي، أو ملفاتي التي احتفظ بها، ولا أطلع عليها
أحدًا. فمما كتبت في نوفمبر لا أدري إن أدرك من قرأها أي المواضيع كدت أبكي وأنا
أكتب عنها، وأيها كنت أضحك أثناء كتابتها. هذا إن وُجِد من يقرأها أصلاً.
لكني عدت وكتبت هنا منذ
بضعة أيام لسبب ما! في نشر ما أكتبه شيء من الشعور بالخلاص! شيء من الشجاعة التي
تتباهى بها أمام نفسك، ربما لا يوجد قراء فعلاً، لكني كنت شجاعة بما يكفي لإتاحته
على الملأ هكذا!
هذا مثير للسخرية
نوعًا، لأني لا أكتب أسرارًا يوصف إفشائها بالشجاعة، لكن دعني أطري نفسي، فهذا لن
ينتقص منك شيئًا!
،،
أمس كنت أحدث صديقتي،
وسألتني عن صحتي وأحوالي، فأخبرتها أن الوضع لم يتحسن كثيرًا، وبأني متعبة حقًا،
وكلما تحسنت من شيء، أصابني آخر، فسألتني ضاحكة مَن هذا الشرير الذي حسدني؟!
فسألتها إن كان حسدًا فعلاً، أجابتني بإجابة مطمئنة ألا وهي أن استمرار الأمر طوال
هذه المدة يرجح احتمال أنه "عمل"!!
مما جعلني أضحك كثيرًا،
فأنا اعتبر أن يحسدني شخصًا ما دون قصده احتمالاً واهيًا، فما بالكم لو كنا
نتحدث عن شيء يحتاج إلى تخطيط وتدبير وطاقة سوداء مثل "العمل"!
أهناك حقًا مَن يحسدني
على شيء ما؟ لا أنكر نعم الله عليّ فهى لا تحصى، لكن فكرة أن أكون موضعًا لأعين
الحساد فهذا حقًا مضحك.. جد مضحك! و يدل على أن الناس لا ترى أبعد من أنفها! هذا
يذكرني بالمثل الشهير "بيحسدوا إبليس على اللعنة!"
ولا أدري تحديدًا أي
لعنة يحسدونني عليها!
،،
مؤخرًا أشعر أن كل
مهاراتي تنسل من بين أصابعي، كلها..حتى الطهي! فمثلاً سترى هذه التدوينة مليئة
بالأخطاء النحوية التي لا أجد في نفسي بالاً رائقًا لمراجعتها، لأن أمر المراجعة
اللغوية بات مرهقًا ويحتاج مني لوقت وتركيز أكثر من السابق!
مهارة الكتابة
بالإنجليزية تراجعت، منذ شهرين تقريبًا، كنت ملتحقة بأحد الدورات المفتوحة التي
تعلمك الكتابة، صحيح أني وجدتها سيئة مقارنةً بأخرى ألتحقت بها منذ عامين، إلى أني
أكملتها حتى النهاية، وحتى أصل إلى أسبوع كتابة المقال النهائي. قبل الأسبوع
الأخير، تعرض نسخة أولية على زملائك وتتلقى التعليقات عليها، ولقد فعلت.
وقبل اعتماد المقال
النهائي، جلست لأنقحه فوجدت الكثير من الأخطاء اللغويّة، والركاكة في ترابط
المقاطع نفسها. صححت ما استطعت واعتمدته، ورأيت الدرجات التي منحها لي زميلاي
اللذان يعطيان الدرجات بطريقة الكورسات المفتوحة التي تضمن تعمية للطرفين. مُنحت
درجة نهائية في الجزء اللغوي. مُنحت الدرجة النهائية كذلك في الترابط وجودة
المقال. لكن كلاهما لم يرَ ما كتبت موضع تساؤل، بمعنى أنها ليست "Thesis"،
ولا يوجد مجال للتساؤل أو المعارضة، فمنحت "صفرًا" في هذا الجانب. لم
أنزعج لكني تفاجئت، كان ما كتبته عن "آية" الفتاة اليابانية التي تمكنت
رغم مرضها من إيجاد هدفها في الحياة، ونحن الأصحاء نتخبط في حيواتنا، متكلين على
طول الأجل، الذي لا يضمنه أحد. ألا يعتبر هذا تساؤلا وجوديًا ما؟!
ما الذي ينسل من بين
أصابعي أيضًا؟
مهراتي في الترجمة؟ حبي
وحماسي للعمل فيها؟ أجل، أشعر بهذا مؤخرًا. أتخبط كثيرًا ولا أعرف أي قرار يجب أن
أتخذ، أو أي اختصاص أفضل فأوجه نحوه جهودي، هل انتظر حتى أبرع فيما أحبه أي
الترجمة الأدبية؟ لكن يبدو أن مستواي فيها لن يرضِني قريبًا. أم أتعلم مجالاً
جديدًا لا أجد في داخلي أي شغف تجاهه؟ لمجرد أنه الأكثر انتشارًا في السوق. أم
أقحم نفسي بتسرع في مجال لطالما كنت أعده شائكًا وأتجنبه!
منذ بضعة أيام ترجمت
شيئًا لأجل عمل ما، وندمت لذلك ندمًا شديدًا، لم يكن ينبغي أن أدع التزامي بالعمل،
يجعلني أتخلى عن شيء أقتنع به. كنت أظن أنه يمكنني تجاهل بعض الأشياء والأخطاء
التي أقوم بها. لكني لا زلت كما أنا، كلما شعرت أني ارتكبت خطاءً يصبني الأرق
الشديد وإن نمت يغدو نومي متقطعًا إلى حد كابوسي، وتنكمش معدتي ولا تحتمل أي طعام،
وأرتجف بردًا مهما كان عدد الأغطية التي تدثرت بها.
وأنا صغيرة ربما كنت
أخشى من العقاب أو اكتشاف الآخرين للمصيبة التي ارتكبتها، وهذا كان سر توتري. لكن
في سني هذا لم يتغير شيء رغم أني من يحاسب ويعاقب نفسي.
ربما كان ذلك درسًا لن
أنساه أبدًا، وهو "لا تتخلى عن شيء تؤمنين به، لأجل شيء تريدينه بشده.
ستكرهين نفسك إن فعلت!"
يذكرني هذا نوعًا بإحدى
أغنياتي المفضلات من أنمي ناروتو، أغنية تتر النهاية الأول على الإطلاق، والتي
أحبها منذ سمعتها لأول مرة، في شتاء 2008.
Don't try to live so wise.
Don't cry 'cause you're so right.
Don't dry with fakes or fears,
'Cause you will hate yourself in the end.
وحينما يرد ببالي اسم
ناروتو، يأتي معه الكثير، أهمها شيء تعلمته من شخصية روك لي، طريقة في الحياة لم
أطبقها وتتعارض تمامًا مع الأشياء المذكورة أعلاه. لابد أني سأتحدث عن العزيز
الملهم "روك لي" يومًا ما، لكن لأؤجل هذا قليلاً، حتى أذكر ما تعلمته
منه وطبقته! عليّ أن أتحدث عن ناروتو كثيرًا، ربما يعيدي لي هذا شيئًا من شغفي!
،،
هذه الأيام كل صديقاتي
اشتقن لي فجأة ويردن لقائي :D !
يحدث هذا كثيرًا، أظل
شهورًا دون لقاء إحداهن، ثم يتذكرنني كلهن فجأة! مما يعني أني قد أمضي 3 شهور دون
لقاء إحداهن، ثم ألتقي بثلاث منهن في أسبوع واحد! منذ بضعة سنوات كنت أرجح أن سبب
هذا هو الدراسة والامتحانات، فهن مرتبطات بجدول دراسي وامتحانات، وطبيعي أنهن سيتفرغن
في الأوقات نفسها. لكن الآن وبعد انتهاء الدراسة أحتاج لتفسير هذه الظاهرة الكونية!
لاحظت مؤخرًا أني أثرثر
أكثر حينما أكون مع صديقات أختي الصغرى، رغم فارق السنوات الست بيننا، حاولت البحث
عن تفسير محدد، لكن تفكيري لم يسعفني بالكثير، وحينما أسعفني أحد التفسيرات كان
مؤلمًا! وهو أني لا زلت أعاني من نفس المشكلات والتساؤلات التي يعانين منها هن، أي
أن فارق 6 سنوات، لم يجعلني أسبقهم بمراحل ما في حياتي!
بحثت أيضًا عن سبب عدم
ثرثرتي مؤخرًا مع صديقاتي، وبأني أذهب أبتلع كلماتي وأعود بها دون نقصان لتسبب لي
عسر وجود، ربما لأني لا أجد المناسبة لقول ما أريد! حقًا! إن كانت تحدثني عن
حماتها الشمطاء و متاعب الحمل كيف سأحدثها عن مشاكلي الوجودية وتساؤلاتي الفلسفية؟
ولا أسخر هنا بشأن
الحماة الشمطاء أو متاعب الحمل، بل على العكس، هذه المشاكل واقعية ولها أبعادها
المحسوسة والملموسة.
كيف سأنتقل من هذه
المشاكل الواقعية المخيفة، إلى مشاكل دخانية اخترعها فراغ عقلي؟ سيبدو هذا غريبًا
!
،،
اكتشفت الآن وأنا أعاين التدوينة أن عنوانها هو "عليك أن تغير حياتك!" كتبت هذا العنوان في الصباح وذهبت لقضاء أشياء أخرى! كنت أشير بهذا إلى مقال معين أود التحدث عنه إليه جانب أشياء أخرى! ولاحظت الآن أني تحدثت عن الأشياء الأخرى عدا الشيء الأساسي الذي كنت أريد التحدث عنه!
وفي هذا دليل على شيء ما !! حسنًا ربما سأتحدث غدًا عمّا كنت أريد التحدث عنه اليوم!
منذ بضعة أيام كادت تقارب الأسبوع، خطر ببالي زميل قديم، ولا أدري في الواقع ما الذي ذكرني به أو بهذه الأيام عامةً، لأن الذكرى تعود لأكثر من عشر سنوات، إلى أيام مدرستي الابتدائية، والتي كانت عجيبة بعض الشيء، لكن والدي فضّل إلحاقي بها على انتظار مدرسة أخرى تقبلني العام القادم، فمعظم المدارس لم تقبل التحاقي بها لأني من مواليد أغسطس وسني أصغر من المسموح به. كانت المدرسة مختلطة، بها فتيان وفتيات، ولسبب ما كان عدد الفتيات يقل كل عام عن سابقه، حتى غدت الفتيات في الصف عددهن أقل من عشر، وتكفي مقاعدهن أن تكون في صفٍ واحد، بينما الصفوف الثلاث الباقية في الصف يحتلها الفتيان. لكم أن تتخيلوا أن تلك الفتيات لا يكن دائمًا الصديقات الأفضل، وليس هذا ذمًا فيهن لا سمح الله، لكني أذكر مرور سنوات دون شعوري بالراحة لوجودي مع تلك الصديقات لاختلاف في طبائعنا، لكن على المرء أن يجد من يجالسه حينما يكون صغيرًا وإلا اعتبروه متوحدًا وغريبًا .. أو غيرها من الافتراءات. كان اسم ذلك الزميل هو تامر، كان صبيًا لطيفًا مجتهدًا، على شيء من الوسامة ببشرته البيضاء وشعره الأملس، حينما كنا صغارًا كنا أنا وهو وبضعة زملاء آخرين نعتبر من أوائل الفصل المجتهدين ....إلخ! قبل أن ابدأ أنا باتباع طريقة "أدرسي ما تحبين فقط، وليحدث ما يحدث!" لم يدمر هذا مستواي الدراسي، لكنه ربما أفقدني تميزي في المواد التي لا أفضلها.
لكن حتى مغادرتي للمدرسة بعد الصف الأول الإعدادي كان تامر محتفظًا بتميزه وتفوقه، محافظًا على طبيعته المرحة ولطفه مع الجميع، حتى أنه ينتابني الفضول بما حل به الآن كلما خطر ببالي. في إحدى سنواتي الأخيرة - ربما الصف الخامس أو الأول الإعدادي- صادف أن مقعدي كان بجوار مقعد تامر مما جعل فرصة الثرثرة من حين لآخر أكثر حدوثًا. ولأخبركم الآن بإحدى الأشياء التي كان يفعلها دومًا، وهي أنه كان يحضر في حقيبته كل كتب المدرسة والدفاتر وفي بعض الأحيان الكتب الخارجية أيضًا، كانت حقيبته المسكينة تنوء بحملها كل يوم، ويعاني ليغلقها قبل مغادرته، وغالبًا ما يسرع مغادرًا مع أستاذة حافلة المدرسة قبل أن يغلقها. في إحدى المرات سألته لماذا تحضر كل الكتب والدفاتر؟ لماذا لا تحضر فقط ما سنحتاجه اليوم كما نفعل جميعًا؟ فأجابني ماذا لو احتجنا لشيء ما فجأة ؟ ماذا لو غاب إحدى المدرسين فأتى مدرس آخر وأعطانا درسًا جديدًا أو لم يأتِ أحدًا فحينها قد يحتاج الكتب للدراسة! وهذا أهون من تحضير ما نحتاجه يوميًا ! ... لا أذكر أني أجبته يومها، لكني شبه واثقة من أن لسان حالي كان يقول لا يوجد شيء يستحق أن تفعل بظهرك هذا يا فتى !
لأن ذلك الجزء بداخلي لم يتغير. هناك أشياء لا تستحق عنائي لأجلها ! هناك أشياء حتى لو بدت جوهرية للبعض لا أرى أنها تستحق أن أبيع راحتي وسعادتي لأحصل عليها! هناك أشياء لا أقبل أن أقتطع أجزاءً من ذاتي لأصل لها!
ما تذكرته هو موقف بعينه، لكني كنت أعطيكم المقدمة المناسبة لتعرفوا عن من أتحدث. كنا في حصة تربية رياضية، أو كما نسميها في العامية (ألعاب). كان أستاذ الألعاب يومها يصر على أن نركض جميعًا، وأذكر أننا ركضنا جميعًا، مرتدين زي ألعاب قطني باللونين الأصفر والزيتي. ويومها أيضًا لم يترك أستاذ الألعاب تامر وشأنه وأصر عليه بأن يركض أكثر، هنا أخبركم بشيء أغفلت ذكره وهو أن تامر كان على شيء من البدانة، ليس بشكل مبالغ فيه، لكن لا يمكنك اتهامه بالرشاقة، وذلك اليوم لم يتحمل كل ذلك المجهود الذي طلبه منه الأستاذ، أو لنقل نفذت أنفاسه أسرع من بقيتنا، وحينما حدث ذلك بدأ بقية الصف بالضحك على وضعه وبقول بعض التعليقات الساخرة، حتى أن ابتسامته ومثابرته تلاشتا، ودمعت عيناه فجأة ثم بدأ بالبكاء.
لا أذكر أني كنت ممن ضحك أو علق، وأتمنى ألا تكون ذاكرتي الانتقائية تقوم بعملها الآن، لأن ما حدث مزعج وطفولي جدًا، وحتى لو كنا أطفالاً لم يكن يليق أن يحدث شيئًا كهذا.
والواقع أني لا حينها ولا اليوم أجد ما فعله أستاذ الألعاب خطأ، كان يحاول أن يحسن لياقته، ويعلمه أنه لو ضغط على نفسه قليلاً سيتمكن من المواصلة أكثر. لكن ما أعجبني حينها، وما كتبت هذه التدوينة لأجله هو ما قاله الأستاذ للزملاء الضاحكين.
"بتضحكوا على إيه يا خايب منك ليها؟
تعرفوا تبقوا زيه؟ تعرفوا تجيبوا درجاته؟ "
هذا ما أذكره، لكن أظن ما قاله كان أكثر، وكان الأمر يستحق.
حقًا بأي حق يضحك أحدٌ على شخص آخر لمجرد أنه لا يطابق المواصفات القياسية لمجتمعنا أو له هو شخصيًا ؟
سواء كنا نتحدث هنا عن زيادة الوزن أو غيرها! عن الافتقار للياقة البدنية أو عن الافتقار لشيء آخر!
يسير بعض الناس يضحكون على الآخرين، دون أي مراعاة لما قد يسببه هذا لهم، ودون أي بعد نظر لما يملكونه حقًا.
كثيرًا ما أود أن أصرخ في الضاحكين وأسألهم أتستطيعون أن تكونوا مثله ؟ أجل..أتستطيعون أن تكونوا مثل مَن تهزئون به ؟؟!